أصداف
العالم علي الوردي
قد يتساءل البعض، عن سبب اهتمامي بالدكتور علي الوردي، عندما تحدثت عن المسلسل، الذي تناول حياته في المقال السابق من زاوية عزوف الجمهور عن متابعة طروحات وأفكار الفلاسفة والعلماء، ووقوعهم في شرك وحبائل الاستهلاك اليومي، وهو سؤال منطقي وسط هذا الحشد الهائل من البث الإعلامي اليومي، الذي تهيمن عليه الفكاهة السطحية والبرامج الفضفاضة.
ولما قدّمه العلامة د. علي الوردي من دراسات وبحوث وكتب قيّمة في مجال علم الاجتماع في القرن العشرين، فإن الوردي يستحق الكثير من الحديث والإشادة، كما أن طروحاته تستدعي الوقوف عندها وتأملها ومحاولة الغوص في أعماقها.
إنه من أبرز الأسماء في العراق وربما في الوطن العربي، من الذين غاصوا في المجتمع بعد عالم الاجتماع العملاق ابن خلدون صاحب المقدمة الشهيرة، ويقول علي الوردي إنه شرع بقراءة تاريخ العراق تفصيليا وشملت تلك القراءات الدقيقة التاريخ العربي والإسلامي وتاريخ شعوب المنطقة، بعد ذلك عمل الوردي على تفكيك الأحداث بعين فاحصة ورؤية عالم وحرقة فرد من المجتمع، فولج هذا العالم لينتج مجموعة مهمة من الكتب.
انتقد بقوة الكتاب والمؤرخين الذين لا يكتبوا الحقيقة وإنما يكون جلّ اهتمامهم ينصب على إرضاء الحاكم، فأسهم ذلك في تشويه الكثير من حقائق التاريخ، لأن الجميع يجب أن يكونوا في قمة العدل والشجاعة والتواضع والتسامح والإنسانية، في حين يزخر التاريخ بالظلم والعجرفة والتعالي، ويقف وراء ذلك الحاكم نفسه الذي يقرب هذا النوع من المؤرخين والكتاب، فتتوارث الأجيال صفحات مغشوشة والتباس كبير في الأحداث، ما ينتج عنه التباس في رسم الصورة الحقيقية لأوجه الحياة في الحقب التاريخية المختلفة.
في دراسته للمجتمع العراقي، توصل الوردي إلى أن المجتمع العراقي يعيش ازدواجية في سلوكه اليومي، ويرى أن سبب ذلك يعود بالأساس إلى التداخل والتمازج بين حياة البداوة التي تتسم بها حياة الكثير من العراقيين حتى بدايات القرن الماضي وما زالت شرائح عراقية تعيش هذه الحياة، والانتقال إلى حياة المدينة بكل ما تفرضه من عادات وتقاليد جديدة، وضمّن تلك الطروحات سلسلة مؤلفاته التي أسماها (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق بـ8 أجزاء)، وفي الموضوع نفسه يبحث في كتابه الذي صدر بعنوان (في طبيعة المجتمع العراقي) موضحا فيه معنى البداوة وصراع البداوة والحضارة والبداوة ونزعة الحرب، ويتوقف عند محطات مهمة في تاريخ العراق الثقافي والاجتماعي في العهد العثماني وما بعده.
تعرض علي الوردي لهجمات وانتقادات كثيرة وصدرت بهذا المنحى العديد من الكتب ونشرت مئات المقالات، فقد كان جريئا وصريحا وطالب المجتمع العراقي في وقت مبكر بالتوجه إلى الإصلاح قبل أن يغرق في الطوفان، ولأن الوردي قدم أفكاره وطروحاته في إطارها العلمي والمعرفي الخالص، فإن أحدا من منتقديه لا يذكره الوسط العلمي والمجتمعي العراقي، في حين لا يستغني أي باحث وقارئ ومهتم بتاريخ المجتمع العراقي عن مؤلفات وبحوث العالم علي الوردي.
رحل الوردي منتصف تسعينيات القرن الماضي، بعد أن أعطى الكثير، ووقف لعقود طويلة، أستاذا لآلاف الطلبة الدارسين والباحثين في قسم الاجتماع بكلية الآداب بجامعة بغداد.
وليد الزبيدي كاتب عراقي
العالم علي الوردي
قد يتساءل البعض، عن سبب اهتمامي بالدكتور علي الوردي، عندما تحدثت عن المسلسل، الذي تناول حياته في المقال السابق من زاوية عزوف الجمهور عن متابعة طروحات وأفكار الفلاسفة والعلماء، ووقوعهم في شرك وحبائل الاستهلاك اليومي، وهو سؤال منطقي وسط هذا الحشد الهائل من البث الإعلامي اليومي، الذي تهيمن عليه الفكاهة السطحية والبرامج الفضفاضة.
ولما قدّمه العلامة د. علي الوردي من دراسات وبحوث وكتب قيّمة في مجال علم الاجتماع في القرن العشرين، فإن الوردي يستحق الكثير من الحديث والإشادة، كما أن طروحاته تستدعي الوقوف عندها وتأملها ومحاولة الغوص في أعماقها.
إنه من أبرز الأسماء في العراق وربما في الوطن العربي، من الذين غاصوا في المجتمع بعد عالم الاجتماع العملاق ابن خلدون صاحب المقدمة الشهيرة، ويقول علي الوردي إنه شرع بقراءة تاريخ العراق تفصيليا وشملت تلك القراءات الدقيقة التاريخ العربي والإسلامي وتاريخ شعوب المنطقة، بعد ذلك عمل الوردي على تفكيك الأحداث بعين فاحصة ورؤية عالم وحرقة فرد من المجتمع، فولج هذا العالم لينتج مجموعة مهمة من الكتب.
انتقد بقوة الكتاب والمؤرخين الذين لا يكتبوا الحقيقة وإنما يكون جلّ اهتمامهم ينصب على إرضاء الحاكم، فأسهم ذلك في تشويه الكثير من حقائق التاريخ، لأن الجميع يجب أن يكونوا في قمة العدل والشجاعة والتواضع والتسامح والإنسانية، في حين يزخر التاريخ بالظلم والعجرفة والتعالي، ويقف وراء ذلك الحاكم نفسه الذي يقرب هذا النوع من المؤرخين والكتاب، فتتوارث الأجيال صفحات مغشوشة والتباس كبير في الأحداث، ما ينتج عنه التباس في رسم الصورة الحقيقية لأوجه الحياة في الحقب التاريخية المختلفة.
في دراسته للمجتمع العراقي، توصل الوردي إلى أن المجتمع العراقي يعيش ازدواجية في سلوكه اليومي، ويرى أن سبب ذلك يعود بالأساس إلى التداخل والتمازج بين حياة البداوة التي تتسم بها حياة الكثير من العراقيين حتى بدايات القرن الماضي وما زالت شرائح عراقية تعيش هذه الحياة، والانتقال إلى حياة المدينة بكل ما تفرضه من عادات وتقاليد جديدة، وضمّن تلك الطروحات سلسلة مؤلفاته التي أسماها (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق بـ8 أجزاء)، وفي الموضوع نفسه يبحث في كتابه الذي صدر بعنوان (في طبيعة المجتمع العراقي) موضحا فيه معنى البداوة وصراع البداوة والحضارة والبداوة ونزعة الحرب، ويتوقف عند محطات مهمة في تاريخ العراق الثقافي والاجتماعي في العهد العثماني وما بعده.
تعرض علي الوردي لهجمات وانتقادات كثيرة وصدرت بهذا المنحى العديد من الكتب ونشرت مئات المقالات، فقد كان جريئا وصريحا وطالب المجتمع العراقي في وقت مبكر بالتوجه إلى الإصلاح قبل أن يغرق في الطوفان، ولأن الوردي قدم أفكاره وطروحاته في إطارها العلمي والمعرفي الخالص، فإن أحدا من منتقديه لا يذكره الوسط العلمي والمجتمعي العراقي، في حين لا يستغني أي باحث وقارئ ومهتم بتاريخ المجتمع العراقي عن مؤلفات وبحوث العالم علي الوردي.
رحل الوردي منتصف تسعينيات القرن الماضي، بعد أن أعطى الكثير، ووقف لعقود طويلة، أستاذا لآلاف الطلبة الدارسين والباحثين في قسم الاجتماع بكلية الآداب بجامعة بغداد.
وليد الزبيدي كاتب عراقي