منتديات مملكة البحرين الثقافيه

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتديات مملكة البحرين الثقافيه

جعفر عبد الكريم الخابوري


    مماحكات حول أقدم مسجد تاريخي!

    جعفر الخابوري
    جعفر الخابوري
    المراقب العام
    المراقب العام


    عدد المساهمات : 683
    تاريخ التسجيل : 27/07/2013

    مماحكات حول أقدم مسجد تاريخي! Empty مماحكات حول أقدم مسجد تاريخي!

    مُساهمة من طرف جعفر الخابوري الأحد سبتمبر 07, 2014 2:50 pm

    مماحكات حول أقدم مسجد تاريخي!

    قاسم حسين
    قاسم حسين ... كاتب بحريني
    Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com
    تصغير الخطتكبير الخط


    قبل أسبوعين فوجئنا بخبرٍ عن إضاءة مسجد الخميس، أقدم مسجد تاريخي في جزر البحرين.

    هذا الأثر التاريخي الضخم الذي يفترض أن يكون رمزاً جامعاً للبحرينيين، أصبح بفعل التجاذب السياسي غير الحصيف، مصدراً إضافياً للخلافات والنزاعات.

    خلال الأسبوع الماضي استولى الموضوع على حيزٍ كبيرٍ في وسائل التواصل الاجتماعي، بعد صدور تصريحات غير لائقة إسلامياً ولا وطنياً، لمخالفتها التامة لميراث هذا البلد الطيب، القائم على مبادئ التعايش والتسامح والأخوة الإسلامية.

    مسجد الخميس أو «المشهد ذو المنارتين»، ظلّ معموراً حتى مطلع القرن الماضي (العشرين)، حيث هُجر وأُهمل حتى باتت الدواب تدخل فيه، فتمّ تسويره. وهناك نظريتان تتجاذبان نشأته، إحداهما تُرجعه إلى عصر الخليفة الأموي العادل عمر بن عبدالعزيز، والأخرى تُرجعه إلى الدولة العيونية التي كان مركزها الإحساء. وتستند هذه النظرية إلى الآثار والكتابات القديمة.

    مثل هذا الخلاف يُفترض أن يُترك للمؤرخين والباحثين، ليكون لبحوثهم العلمية الكلمة الفصل، لا أن يُترك مادةً للتجاذبات والمماحكات. ويجب أن يسلّم الجميع للحقائق التاريخية. لكن ما يجري هو العكس: المزيد من التجاهل والتجهيل، والتوظيف السياسي من أجل تسجيل أهداف مرحلية قصيرة النظر.

    قبل عدة سنوات، لفت نظري عملية الترويج لإعلان عن «أذان جديد» سيتم رفعه في التلفزيون، باستخدام تقنيات جديدة متطورة. كان الترويج يتم على عدة مستويات، مسموعة ومرئية، ما كان يوحي بوجود شيء غير عادي. لاحقاً، وبعد عرض الأذان الجديد، عرف السبب فبطل العجب!

    ظلّ هذا المسجد مدار تنازعٍ بين طرفين، كلٌّ يدّعي وصلاً بليلى. حتى في السبعينيات، قام أحد الفنانين البارزين برسم لوحةٍ لمحراب المسجد وغيّر فيها الأسماء المنقوشة بالصخر والطين، ما حمل بعض الكتّاب للرد عليه باعتبار عمله تزويراً. والتزوير عملٌ بشِع وغير حضاري، فالشعوب التي تحترم تاريخها وإرثها الثقافي لا تعمد إلى تزويره ولا تحريفه. والمثقفون والفنّانون هم أولى الناس بالتزام الحيادية واحترام الثقافة الوطنية والبعد عن النزعات الصغيرة.

    لم يكن هناك حينها – في بداية السبعينيات- صحفٌ يومية، وإنّما كانت السوق رائجةً للمجلات الأسبوعية التي كانت ميداناً للسجالات والنقاشات الثقافية العامة. ومن المؤكد أن أحداً لم يخطر بباله أن يأتي يومٌ نتنزل فيه في نقاشاتنا إلى تكفير بعضنا بعضاً، أو اتهام بعضنا بالشرك، مع صمت الجهات الرسمية المعنية، سواءً وزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف، أو الثقافة، أو الإعلام. وهي الجهات التي يُفترض أن يكون لها موقف واضح وصريح من هذه المهاترات.

    في هذا البلد، كنا ومانزال نفخر بأن عاصمتنا تضم المسجد والجامع والمأتم، جنباً إلى جنب الكنيسة والمعبد للأديان السماوية، فضلاً عن المعبد البوذي والهندوسي. هذه الروح البحرينية الأصيلة باتت أمام تحدٍ جديد، مع بروز الدعوات التكفيرية السافرة، التي لا تعترف أصلاً بوجود طرف إسلامي «آخر»، ولا تعترف بأخوّته، فكيف يمكن أن تقبل بوجود أديان أخرى؟

    في هذا البلد، كنا وما نزال نفخر، بوجود مساجد لمختلف الطوائف، حتى في المناطق غير المختلطة، دليلاً راسخاً على نزعة الروح البحرينية الأصيلة، في قبول الآخر واحتضانه كأخ في الدين أولاً، ونظيرٍ في الخلق ثانياً، ومساوٍ لنا في الإنسانية ثالثاً. أما اليوم فقد وصل التطرف بالبعض إلى اتهام حتى الوزارة المكلّفة بالشئون الإسلامية والأوقاف، بدعم أعمال الشرك! وهي نزعةٌ سرعان ما ستتحوّل إلى تكفير الدولة نفسها، كما جرى في دولٍ عربية أخرى، وما جرّه ذلك من مآسٍ وويلات.

    اليوم حين تفتح التلفزيون، أو تتصفح الصحف، ستجد أخبار تنظيم «داعش» تسيطر على العناوين الأولى، وتحتل الجزء الأكبر من البرامج الحوارية في أبرز الفضائيات العربية وحتى الأجنبية. وهو التنظيم الذي أسفرت أعماله البشعة عن استنفار كل دول المنطقة، بما فيها الدول التي موّلته ودرّبت عناصره طوال السنوات الثلاث الماضية، ولم يكن يخطر ببالها أن هذا التنظيم سينقلب عليها أو يهدّد بغزوها أو ينفذ عمليات ضد مخافرها الحدودية.

    آفة هذا الفكر الانعزالي المنغلق، الذي لا يرى غير الذات، أنه لا يعترف بوجود مسلمين آخرين في العالم سوى جماعته ومن يحملون فكره. وهو فكرٌ بات يتسرّب إلى هذه الأرض التي عٌرفت بالتسامح طوال قرون، وكشفت مدى تغلغله هذه المماحكات حول أقدم مساجدنا التاريخية في البحرين.

    قاسم حسين
    صحيفة الوسط البحرينية - العدد 4383 - الأحد 07 سبتمبر 2014م الموافق 13 ذي القعدة 1435هـ

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين أبريل 29, 2024 2:59 pm