كله بالقانون
عبدالنبي العكري
عبدالنبي العكري ... .
comments [at] alwasatnews.com
تتردد هذه الأيام في تصريحات البعض وصحفهم وتلفزيوناتهم وتويتراتهم وفيسبوكاتهم ووكالات أنبائهم، ونوابهم وشورييهم، تعبير «كله بالقانون».
فبالقانون سنقتحم منازل المواطنين الآمنين، ونعتقلهم ونؤدبهم أمام أهاليهم المرعوبين، وسنعتقلهم ولن يعرفوا لأسابيع أين هم. وبالقانون سننتزع منهم اعترافات دامغة بالتآمر والخيانة، وبالقانون سنثبت ذلك كله ضدهم. وبالقانون سنجرجرهم إلى المحاكم، وبالقانون سندينهم ونحكم عليهم بسنوات طويلة من السجن كباراً وصغاراً، نساءً ورجالاً. وبالقانون سندين من يقفون خلفهم من رجال الدين وجمعيات سياسية معارضة، وزعمائهم ونشطائهم.
بالقانون سنسقط الجنسية عمّن يعارض ويصبح نكرة بلا وطن ولا هوية. وبالقانون سنسكت كل مغرّد وكل صاحب «بلوغر»، وصاحب كل موقع إلكتروني، وكل صحافي متقصٍّ للحقيقة، وكل مراسل عميل لأجهزة الإعلام الخارجية! وكل متصل بالسفارات الأجنبية المتآمرة، حتى ولو كانوا من حلفائنا!
نعم... كله بالقانون، ولكن أي قانون؟ في البدء كانت الكرامة الإنسانية حيث جاء في القرآن الكريم «وكرمنا بني آدم»، قبل أن تسن الشرائع، وتكتب القوانين. في البدء كانت الحرية «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً» قالها الفاروق (رضي الله عنه)، لواليه على مصر عمرو بن العاص. ونص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان «يولد الناس أحراراً متساوين في الكرامة». لذا فإن القوانين هي لضمان الكرامة والحرية والمساواة، وليس لانتهاكها أو التعدي عليها، وما بني على باطل فهو باطل.
من هنا فإنه لا يكفي أن يأتي من يأتي ليلوّح للناس بالقانون، لننصاع لما يراد فرضه على الناس. فحتى الشرائع السماوية بما تضمنته من أحكام عقابية فإنها تؤخذ في ظل الظروف وآليات الإثبات. فبالنسبة إلى الشريعة الإسلامية، وضعت مقاصد الشريعة كقاعدة لتطبيقها، أي حفظ الدماء والعرض والمال. وخلال الخلافة الراشدة لم تقطع يد سارقٍ لأنه اشترط أن يتوافر للجميع إما مصادر للرزق، أو لدعم من بيت المال تغني أي شخص عن السرقة.
ونستطيع أن نقيس على ذلك باقي الديانات السماوية والوضعية أيضاً. ومن أجل أن لا يتعسف أي حاكم ضد شعبه أو خصومه، فقد تطوّرت المنظومة الدستورية والقانونية في الدول الديمقراطية المتحضرة لكي توفر ضمانات للمواطن وللشعب وللوافدين، أي لجميع من يعيش في الدولة، لئلا تكون هناك قوانين منافية أو تحدّ من الحقوق الطبيعية والدستورية للسكان، وبحيث لا تستخدم القوانين تعسفياً. وبالطبع فالجدل مستمر والدساتير تتطور والقوانين تُعدّل، لكي تؤمّن مزيداً من الضمانات للمواطن والسكان لكي لا تنتهك حقوقهم باسم القانون.
وحتى دستور مملكة البحرين الذي سجل عليه البعض تحفظات عديدة، نصّ في المادة (31) في فقرته الأخيرة «وبحيث لا ينال التنظيم من جوهر الحقوق والحريات». لكننا اليوم نرى ترسانةً من القوانين التعسفية، والتي تجري زيادة تعسفها وتكرس جميع وزارات الدولة وأجهزتها لكي تنفذ هذه التشريعات والتوجيهات التي تتناقض تماماً مع دستور البحرين والقانون الدولي. وحتى في حالات الطوارئ والأحكام العرفية، فإنه لا يجب المس بالحقوق الأساسية. من هنا فقد عينت الأمم المتحدة مقرراً خاصاً للتأكد من حماية حقوق الإنسان في ظل مكافحة الإرهاب.
إن مملكة البحرين ملزمة باتفاقيات ومعاهدات دولية كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية مناهضة التعذيب، واتفاقية مناهضة التمييز ضد المرأة، واتفاقية مناهضة جميع أشكال التمييز والاتفاقيات المتعلقة بحقوق العمال والعمل وغيرها.
ولذا فإن المفوض السامي لحقوق الإنسان ومجلس حقوق الإنسان والمقررين الخاصين والمنظمات الحقوقية الدولية، عبّرت عن اعتراضها على الاستراتيجية القائمة للدولة لإخضاع المعارضين والحقوقيين والنقابيين، واستهداف جمهور المعارضة بمختلف السبل، وأصدرت 176 توصية لمعالجة ذلك. وبالتأكيد فإن مزيداً من التوصيات والانتقادات تنتظر حكومة البحرين في مجلس حقوق الإنسان في دورته الرابعة والعشرين في سبتمبر/ أيلول المقبل. ومن الأفضل لحكومة البحرين التراجع عن هذه السياسة الخطرة التي لن تضمن الأمن والاستقرار ولن تخضع المواطنين الذين يتطلعون إلى نيل حقوقهم الدستورية كاملةً.
من تجارب الأمم والشعوب، إن يوماً ما تبطل كل القوانين الجائرة، كما علمنا التاريخ، ويندم من انتهك حقوق غيره من الضحايا، الذين بدورهم سيغفرون لهم بكل أريحية. وحتى لو لم يتحقق ذلك، فمحكمة التاريخ لا تخطئ.
عبدالنبي العكري
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3989 - الجمعة 09 أغسطس 2013م الموافق 01 شوال 1434هـ
عبدالنبي العكري
عبدالنبي العكري ... .
comments [at] alwasatnews.com
تتردد هذه الأيام في تصريحات البعض وصحفهم وتلفزيوناتهم وتويتراتهم وفيسبوكاتهم ووكالات أنبائهم، ونوابهم وشورييهم، تعبير «كله بالقانون».
فبالقانون سنقتحم منازل المواطنين الآمنين، ونعتقلهم ونؤدبهم أمام أهاليهم المرعوبين، وسنعتقلهم ولن يعرفوا لأسابيع أين هم. وبالقانون سننتزع منهم اعترافات دامغة بالتآمر والخيانة، وبالقانون سنثبت ذلك كله ضدهم. وبالقانون سنجرجرهم إلى المحاكم، وبالقانون سندينهم ونحكم عليهم بسنوات طويلة من السجن كباراً وصغاراً، نساءً ورجالاً. وبالقانون سندين من يقفون خلفهم من رجال الدين وجمعيات سياسية معارضة، وزعمائهم ونشطائهم.
بالقانون سنسقط الجنسية عمّن يعارض ويصبح نكرة بلا وطن ولا هوية. وبالقانون سنسكت كل مغرّد وكل صاحب «بلوغر»، وصاحب كل موقع إلكتروني، وكل صحافي متقصٍّ للحقيقة، وكل مراسل عميل لأجهزة الإعلام الخارجية! وكل متصل بالسفارات الأجنبية المتآمرة، حتى ولو كانوا من حلفائنا!
نعم... كله بالقانون، ولكن أي قانون؟ في البدء كانت الكرامة الإنسانية حيث جاء في القرآن الكريم «وكرمنا بني آدم»، قبل أن تسن الشرائع، وتكتب القوانين. في البدء كانت الحرية «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً» قالها الفاروق (رضي الله عنه)، لواليه على مصر عمرو بن العاص. ونص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان «يولد الناس أحراراً متساوين في الكرامة». لذا فإن القوانين هي لضمان الكرامة والحرية والمساواة، وليس لانتهاكها أو التعدي عليها، وما بني على باطل فهو باطل.
من هنا فإنه لا يكفي أن يأتي من يأتي ليلوّح للناس بالقانون، لننصاع لما يراد فرضه على الناس. فحتى الشرائع السماوية بما تضمنته من أحكام عقابية فإنها تؤخذ في ظل الظروف وآليات الإثبات. فبالنسبة إلى الشريعة الإسلامية، وضعت مقاصد الشريعة كقاعدة لتطبيقها، أي حفظ الدماء والعرض والمال. وخلال الخلافة الراشدة لم تقطع يد سارقٍ لأنه اشترط أن يتوافر للجميع إما مصادر للرزق، أو لدعم من بيت المال تغني أي شخص عن السرقة.
ونستطيع أن نقيس على ذلك باقي الديانات السماوية والوضعية أيضاً. ومن أجل أن لا يتعسف أي حاكم ضد شعبه أو خصومه، فقد تطوّرت المنظومة الدستورية والقانونية في الدول الديمقراطية المتحضرة لكي توفر ضمانات للمواطن وللشعب وللوافدين، أي لجميع من يعيش في الدولة، لئلا تكون هناك قوانين منافية أو تحدّ من الحقوق الطبيعية والدستورية للسكان، وبحيث لا تستخدم القوانين تعسفياً. وبالطبع فالجدل مستمر والدساتير تتطور والقوانين تُعدّل، لكي تؤمّن مزيداً من الضمانات للمواطن والسكان لكي لا تنتهك حقوقهم باسم القانون.
وحتى دستور مملكة البحرين الذي سجل عليه البعض تحفظات عديدة، نصّ في المادة (31) في فقرته الأخيرة «وبحيث لا ينال التنظيم من جوهر الحقوق والحريات». لكننا اليوم نرى ترسانةً من القوانين التعسفية، والتي تجري زيادة تعسفها وتكرس جميع وزارات الدولة وأجهزتها لكي تنفذ هذه التشريعات والتوجيهات التي تتناقض تماماً مع دستور البحرين والقانون الدولي. وحتى في حالات الطوارئ والأحكام العرفية، فإنه لا يجب المس بالحقوق الأساسية. من هنا فقد عينت الأمم المتحدة مقرراً خاصاً للتأكد من حماية حقوق الإنسان في ظل مكافحة الإرهاب.
إن مملكة البحرين ملزمة باتفاقيات ومعاهدات دولية كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية مناهضة التعذيب، واتفاقية مناهضة التمييز ضد المرأة، واتفاقية مناهضة جميع أشكال التمييز والاتفاقيات المتعلقة بحقوق العمال والعمل وغيرها.
ولذا فإن المفوض السامي لحقوق الإنسان ومجلس حقوق الإنسان والمقررين الخاصين والمنظمات الحقوقية الدولية، عبّرت عن اعتراضها على الاستراتيجية القائمة للدولة لإخضاع المعارضين والحقوقيين والنقابيين، واستهداف جمهور المعارضة بمختلف السبل، وأصدرت 176 توصية لمعالجة ذلك. وبالتأكيد فإن مزيداً من التوصيات والانتقادات تنتظر حكومة البحرين في مجلس حقوق الإنسان في دورته الرابعة والعشرين في سبتمبر/ أيلول المقبل. ومن الأفضل لحكومة البحرين التراجع عن هذه السياسة الخطرة التي لن تضمن الأمن والاستقرار ولن تخضع المواطنين الذين يتطلعون إلى نيل حقوقهم الدستورية كاملةً.
من تجارب الأمم والشعوب، إن يوماً ما تبطل كل القوانين الجائرة، كما علمنا التاريخ، ويندم من انتهك حقوق غيره من الضحايا، الذين بدورهم سيغفرون لهم بكل أريحية. وحتى لو لم يتحقق ذلك، فمحكمة التاريخ لا تخطئ.
عبدالنبي العكري
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3989 - الجمعة 09 أغسطس 2013م الموافق 01 شوال 1434هـ