ميتة الرجال عادة ترسم مسار ماضيهم لمن يجهلون ملامح أولئك الرجال داخل لوحة حياتهم، فأبعاد تلك الميتة تستفز الجهل وتجعل الجاهل بالشخصية (التي ارتسمت لها ميته) ملؤه التساؤل.. لماذا يقتل هذا الرجل هكذا.. ولماذا بهذه الشكلية والإصرار.. مع أن هذا القتل يجرّ وراءه استشاطات عدة تؤثر في مستوى على القاتل و.. قاعدة التساؤل تبعاً لنوع الميتة.. تأتي من استقراء التاريخ في الوقائع المتشابهة.. على نحو ما. وما تبعها من نتيجة القاعدة التساؤلية. فكثير من الذين عرضوا من نخبة الأجيال إن الأجيال على طول المسافة الزمنية التي تربطنا بصدر الرسالة تجهل قبر الزهراء)عليها السلام(.. والتي هي في رمزها الحضاري. أو في الرمز الأعمق من الحضاري وهو الرمز العقيدي الذي يقف عليه الإطار الحضاري أنها الرقم 3 في ذلك الخط.. فلماذا.. هل هي من باقي سوقة الناس التي لا يعتني التاريخ بها، باعتبار أن التاريخ لا يكتب إلا من كتب اسمه عليه، لماذا يموت علي)عليه السلام( بسيف في قدسية صلاته، ولماذا زيد(رضي الله عنه) يصلب، فهذه الميتات الشريفة تدفع الإنسان إلى السبر الأعمق في ما ورائيات القضية، لأن ما وراء تلك الصور الموتية تعليلات كبيرة تتناسب وضخامة العلة للسنخية بينهما كما يقرر في الفلسفة.
لماذا يحيى بن زيد (رضي الله عنه) في بلاد الجوزخان وهو عربي من الحجاز، ولماذا الأدارسة أقصى المغرب، ما الذي ذهب بهم هناك. هذه الأمور الغير طبيعية مُدعاة وبقوة للتساؤل، لأن للعقل مدركات ضرورية في الأشياء الطبيعية والاستثنائية وذلك لمائزيتها بدهياً وللفضول الغريزي أيضاً الذي تملكه التكوينية البشرية في البحث حيث الاستغراب والدهشة، فإذا القضية، ملحمة، ودرب رسم بأنه ذات الشوكة، وانه سبيل الله لعباده، وأنه الجهاد الإلهي. وإنهم المنقذون، والذائدون عن حقوق المستضعفين في الأرض.
لماذا يموت الإمام السيد حسن الشيرازي (قدس سره) بثلاثة عشر رصاصة وليست بثلاثة عشر لقمة كما يموت الطغاة.. أو بثلاثة عشر رفسة، ولماذا في لبنان، وليس في مربع لدّاته (كربلاء). فهنا لا بد أن نسأل التاريخ، ولا بد أن يحكي لك نفس تلك القصة للأبطال القدامى، ويقول لك بادءاً –مجملا- أنها قصة العظماء، المجاهدين، شرفاء الإنسانية... إنها هي.. هي تتوالى تترى. فقط فارقهم الزمان والمكان، إلا أن روح المقصد هو.. هو، وذلك الشعار هو هذا الشعار، والمبداء هو المبداء، والنداء هو النداء، إنهم أهل (الله أكبر..) أهل (العزة لله ولرسوله وللمؤمنين) أهل الآخرة لا الأرض إنهم العارجون إلى السماء وهم يطأون الأرض.
انفجرت الروح هناك في كربلاء، متفتحة على الحق تعتبق بأريجه القرآني، لتفوح روحه في كل الأبعاد، حركة دؤوبة في كل مناحي الحياة وثناياها، لما عرف عنه في تعدد آفاقه المعرفية والسلوكية، وكونه وهذا الأهم الأعظم والأنرر أنه رجل عمل. فالشهيد (قدس سره) لم يرض لنفس أن يقبع مع الدرس وفقط معرضاً عن غائية الآية الكريمة )فلولا نفر من كل فرقة طائفة منهم ليتفقهوا في الدين( وهي (أي الغاية) )لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون(.. أما )ليتفقهوا في الدين( فهي وسيلة لهذه الغاية.. وإن جيئت بسياق الغاية.. إلا أنها الغاية الأولى للنفر ومن ثم تعود إلى حقيقتها لتكون وسيلة للإنذار والتحذير والأخذ بدين الله. فكان نعم المنذر المحذّر على خط الأنبياء.
لم يعرف جسده الراحة، وكذا اعتلاج روحه للهم الكبير الذي يكابده لما تعانيه الأمة الإسلامية من ضياع وما آلت إليه من انهيار وتخلّف، وهي الأمة الهادية.. أمة القرآن، والفضيلة، والعلم والعمل، وجدها تتخبط بين الشعوب وأبناء جلدته طالهم الملل.
الحكومات عميلة والجهل متفشي، والمسلمون تشربهم مشارب الغرب وأطروحاتهم، والعولمة تغوص إلى كل مكان، والشيوعية يتناهبوها الناس حتى بعض أهل الأهوار. فلذلك كانت تلك المسيرة، من التحدي للطغاة منذ الحكم الملكي داخل العراق.. ومروراً بباقي الفترات التي قضاها متحدياً للمنحرفين عن خط الإنسانية حتى قتلوه خوفاً على عروشهم من إنسانيته التي ناحت تعطّر الصدور لتعود إلى وزعيها في حاضرة الإسلام والإنسانية.
أما مسيرة الهم الثقافي وبناء الوعي وتأسيس مرتكزات النهضة الصحيحة فهذا شرح يطول في مسيرة الشيرازي ومحاولته دمج النظام الدراسي مع العصر وإيجاد التوائم الموضوعة المجدية في الطرح الثقافي.. وانطلاقاته المبكرة في المشروع الصحافي لما يمتلكه من صورة عصرية في الخطاب كما في مجلة الأخلاق والآداب والتي جاء عنوانها الفرعي (نشرة فكرية عامة تعني بشؤون الدين والاجتماع) لمحورية الاجتماع وأبعاده في أزمة الأمم جمعاء.
إن القيم الدينية والإنسانية التي انماثت بين أخاديد هذه الأرض بدأت تنبع من جديد لتغيظ الكفّار حينما أخرجت شطأها واستوى سوقها.
لابد من تحكيم القيم بين الأجيال الحاضرة وتمهيداً للآتية، فكانت أيضاً في باكورات التأسيس الأولى.. التي أسسها الشهيد (قدس سره) (هيئة الشباب الحسيني) ليكون مجمعاً حيوياً.. في ترسيخ العقيدة ونشرها وبأسلوبه النادر في الدعوة لساناً وقلماً.. حتى إني أذكر في عام 1996م حينما التقيت بأحد الإخوة اللبنانيين الشباب، الذين دخلوا الحوزة في ذلك الوقت، يحكي لي قصته فيقول:
كان الأدب لا يروقه فلذلك لم يجد لنفسه انسجاماً ورغبة في (درس البلاغة) في مقررات الحوزة وكان يعاني من ذلك ولكن لما وقع بيده كتاب )الأدب الموجه( للإمام الشهيد السيد حسن الشيرازي (قدس سره).. حصل لديه انقلاب نفسي من البغض إلى العشق للأدب.. وأصبح مولعاً بدراسة البلاغة.. وهذا ما خامرني أيضاً مع فارق حبي القديم وممارستي للأدب.. فعندما كنت أقرأ هذا الكتاب )الأدب الموجه( كنت أنقل مقاطع من المتن اعتزازاً به في دفتر خصصته للحكمة وكل كلمة حكيمة.. شعراً ونثراً.. بل موسيقى المتن – وهو متن تحليلي وتحكيمي للأدب الحديث – كانت كأنها موسيقى قافية. بالإضافة إلى إطلاعه الواسع على مدارس الأدب الشرقي والغربي. وتشكيله الروح العلاجية لديه تستطيع من خلالها أن تعرف روحه الحقيقية الواقعية.
هذا هو الإمام الشهيد السيد حسن الشيرازي (قدس سره) في حياته.. التي أخذنا من بحرها قطرة.. وذلك وجه مماته في أنه رجل نهضة إسلامية ومن أعلامها في النصف الثاني من القرن العشرين، إتماماً للخط التاريخي البارز الذي لعبه أجداده من ثورة التنباك مع المرجع الديني الأعلى السيد محمد حسن الشيرازي، مروراً بثورة العشرين مع الميرزا محمد تقي الشيرازي (من أخوال السيد) والتقاءً بخطوة الشهيد.. وما زلنا على الدرب سائرين.
لماذا يحيى بن زيد (رضي الله عنه) في بلاد الجوزخان وهو عربي من الحجاز، ولماذا الأدارسة أقصى المغرب، ما الذي ذهب بهم هناك. هذه الأمور الغير طبيعية مُدعاة وبقوة للتساؤل، لأن للعقل مدركات ضرورية في الأشياء الطبيعية والاستثنائية وذلك لمائزيتها بدهياً وللفضول الغريزي أيضاً الذي تملكه التكوينية البشرية في البحث حيث الاستغراب والدهشة، فإذا القضية، ملحمة، ودرب رسم بأنه ذات الشوكة، وانه سبيل الله لعباده، وأنه الجهاد الإلهي. وإنهم المنقذون، والذائدون عن حقوق المستضعفين في الأرض.
لماذا يموت الإمام السيد حسن الشيرازي (قدس سره) بثلاثة عشر رصاصة وليست بثلاثة عشر لقمة كما يموت الطغاة.. أو بثلاثة عشر رفسة، ولماذا في لبنان، وليس في مربع لدّاته (كربلاء). فهنا لا بد أن نسأل التاريخ، ولا بد أن يحكي لك نفس تلك القصة للأبطال القدامى، ويقول لك بادءاً –مجملا- أنها قصة العظماء، المجاهدين، شرفاء الإنسانية... إنها هي.. هي تتوالى تترى. فقط فارقهم الزمان والمكان، إلا أن روح المقصد هو.. هو، وذلك الشعار هو هذا الشعار، والمبداء هو المبداء، والنداء هو النداء، إنهم أهل (الله أكبر..) أهل (العزة لله ولرسوله وللمؤمنين) أهل الآخرة لا الأرض إنهم العارجون إلى السماء وهم يطأون الأرض.
انفجرت الروح هناك في كربلاء، متفتحة على الحق تعتبق بأريجه القرآني، لتفوح روحه في كل الأبعاد، حركة دؤوبة في كل مناحي الحياة وثناياها، لما عرف عنه في تعدد آفاقه المعرفية والسلوكية، وكونه وهذا الأهم الأعظم والأنرر أنه رجل عمل. فالشهيد (قدس سره) لم يرض لنفس أن يقبع مع الدرس وفقط معرضاً عن غائية الآية الكريمة )فلولا نفر من كل فرقة طائفة منهم ليتفقهوا في الدين( وهي (أي الغاية) )لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون(.. أما )ليتفقهوا في الدين( فهي وسيلة لهذه الغاية.. وإن جيئت بسياق الغاية.. إلا أنها الغاية الأولى للنفر ومن ثم تعود إلى حقيقتها لتكون وسيلة للإنذار والتحذير والأخذ بدين الله. فكان نعم المنذر المحذّر على خط الأنبياء.
لم يعرف جسده الراحة، وكذا اعتلاج روحه للهم الكبير الذي يكابده لما تعانيه الأمة الإسلامية من ضياع وما آلت إليه من انهيار وتخلّف، وهي الأمة الهادية.. أمة القرآن، والفضيلة، والعلم والعمل، وجدها تتخبط بين الشعوب وأبناء جلدته طالهم الملل.
الحكومات عميلة والجهل متفشي، والمسلمون تشربهم مشارب الغرب وأطروحاتهم، والعولمة تغوص إلى كل مكان، والشيوعية يتناهبوها الناس حتى بعض أهل الأهوار. فلذلك كانت تلك المسيرة، من التحدي للطغاة منذ الحكم الملكي داخل العراق.. ومروراً بباقي الفترات التي قضاها متحدياً للمنحرفين عن خط الإنسانية حتى قتلوه خوفاً على عروشهم من إنسانيته التي ناحت تعطّر الصدور لتعود إلى وزعيها في حاضرة الإسلام والإنسانية.
أما مسيرة الهم الثقافي وبناء الوعي وتأسيس مرتكزات النهضة الصحيحة فهذا شرح يطول في مسيرة الشيرازي ومحاولته دمج النظام الدراسي مع العصر وإيجاد التوائم الموضوعة المجدية في الطرح الثقافي.. وانطلاقاته المبكرة في المشروع الصحافي لما يمتلكه من صورة عصرية في الخطاب كما في مجلة الأخلاق والآداب والتي جاء عنوانها الفرعي (نشرة فكرية عامة تعني بشؤون الدين والاجتماع) لمحورية الاجتماع وأبعاده في أزمة الأمم جمعاء.
إن القيم الدينية والإنسانية التي انماثت بين أخاديد هذه الأرض بدأت تنبع من جديد لتغيظ الكفّار حينما أخرجت شطأها واستوى سوقها.
لابد من تحكيم القيم بين الأجيال الحاضرة وتمهيداً للآتية، فكانت أيضاً في باكورات التأسيس الأولى.. التي أسسها الشهيد (قدس سره) (هيئة الشباب الحسيني) ليكون مجمعاً حيوياً.. في ترسيخ العقيدة ونشرها وبأسلوبه النادر في الدعوة لساناً وقلماً.. حتى إني أذكر في عام 1996م حينما التقيت بأحد الإخوة اللبنانيين الشباب، الذين دخلوا الحوزة في ذلك الوقت، يحكي لي قصته فيقول:
كان الأدب لا يروقه فلذلك لم يجد لنفسه انسجاماً ورغبة في (درس البلاغة) في مقررات الحوزة وكان يعاني من ذلك ولكن لما وقع بيده كتاب )الأدب الموجه( للإمام الشهيد السيد حسن الشيرازي (قدس سره).. حصل لديه انقلاب نفسي من البغض إلى العشق للأدب.. وأصبح مولعاً بدراسة البلاغة.. وهذا ما خامرني أيضاً مع فارق حبي القديم وممارستي للأدب.. فعندما كنت أقرأ هذا الكتاب )الأدب الموجه( كنت أنقل مقاطع من المتن اعتزازاً به في دفتر خصصته للحكمة وكل كلمة حكيمة.. شعراً ونثراً.. بل موسيقى المتن – وهو متن تحليلي وتحكيمي للأدب الحديث – كانت كأنها موسيقى قافية. بالإضافة إلى إطلاعه الواسع على مدارس الأدب الشرقي والغربي. وتشكيله الروح العلاجية لديه تستطيع من خلالها أن تعرف روحه الحقيقية الواقعية.
هذا هو الإمام الشهيد السيد حسن الشيرازي (قدس سره) في حياته.. التي أخذنا من بحرها قطرة.. وذلك وجه مماته في أنه رجل نهضة إسلامية ومن أعلامها في النصف الثاني من القرن العشرين، إتماماً للخط التاريخي البارز الذي لعبه أجداده من ثورة التنباك مع المرجع الديني الأعلى السيد محمد حسن الشيرازي، مروراً بثورة العشرين مع الميرزا محمد تقي الشيرازي (من أخوال السيد) والتقاءً بخطوة الشهيد.. وما زلنا على الدرب سائرين.