منتديات مملكة البحرين الثقافيه

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتديات مملكة البحرين الثقافيه

جعفر عبد الكريم الخابوري


    كشكول جعفر الخابوري الثقافي ))(كاتب متميز)

    جعفر الخابوري
    جعفر الخابوري
    المراقب العام
    المراقب العام


    عدد المساهمات : 969
    تاريخ التسجيل : 27/07/2013

    كشكول جعفر الخابوري الثقافي ))(كاتب متميز) Empty كشكول جعفر الخابوري الثقافي ))(كاتب متميز)

    مُساهمة من طرف جعفر الخابوري الإثنين أغسطس 29, 2016 5:47 am

    هل هي قصة الجيلاتين فقط؟
    قاسم حسين

    انتشرت قبل أيام صور ومقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، عن بعض أنواع الحلويات، التي يأكلها أطفالنا، والمصنّعة من الجيلاتين.

    الفيديو بعنوان «القصة الحقيقية للجيلاتين»، ومدته دقيقة وعشرون ثانية، ويعرض مشاهد مقزّزة جداً، عن عملية تصنيع هذه الحلوى. يبدأ بمزرعة خنازير، ثم يعرض مناظر لعدد منها بعد ذبحها، ويتم تعليقها وتعريضها للنار، ربما لإذابة الشحوم. ويجري تقطيع الذبائح المعلقة، وسحت طبقات الشحم وكشط اللحم، ثم تجميعها في حاويات. ثم نشاهد عملية تقطيعها إلى خيوط صغيرة دقيقة، بعدها يجري نقلها إلى المخازن، حيث تحول إلى ذرور و«بودرة».

    الخطوة التالية، يجري وضعها فيما يشبه الأفران، ويجري خلطها بمواد كيماوية لزجة متعددة الألوان، لا يوضح الشريط مما تتكون. ثم يجري تحويلها إلى قطع صغيرة على هيئة حبوب ملونة كأقراص الأدوية أو أكبر قليلاً، وتُعبّأ في أكياس، وأخيراً تنتهي إلى الفم، مع عبارة «انتبه لما تأكل... أخبر أصدقاءك الحقيقة».

    في نهاية المقطع أربع كلمات أجنبية، أثارني الفضول لمعرفة معناها، وخمّنت أنها ألمانية، (Van snoep)، و(tot varken)، فاستعنت بموقع الترجمة على «غوغل»، ويبدو أن معناها الإجمالي: «عربة حلوى الخنزير».

    أوردت كل هذه التفاصيل لأمرين: الأول شعوري بالذنب لأن أطفالي التهموا كميات كبيرة من هذه الحلوى، التي كنا نطمئن لشرائها من السوق المحلي اعتماداً على ثقتنا بالتجار المورّدين؛ والثاني مراجعة القاعدة الفقهية المعروفة، بالحكم على جواز تناول المأكولات مادامت تباع في أسواق المسلمين، حيث يفترض تحرّي التجار ليس فقط لجانب الشبهات والحرام والحلال، بل حتى للجوانب الصحية، فيما يجلبونه من مواد يعلم الله وحده ممّ تتكوّن. فالدول التي تهتم بصحة شعوبها، تضع الشروط على المواد المضافة والكيماوية التي تدخل في الغداء، بينما تحوّلت بطوننا إلى مكب نفايات وفضلات ما تنتجه مصانعهم من دون رقيب، سواءً مما يردنا من الغرب أو الشرق.

    علينا أن نعترف أنها ليست المادة الحرام الأولى التي نتناولها كل يوم ولن تكون الأخيرة، فقبل عامين، نُشرت معلوماتٌ عن احتواء «ماء الغريب»، الذي كانت تستخدمه الأمهات لتهدئة حالات المغص للأطفال، على نسبةٍ من الكحول، وظلّ هذا المنتج متداولاً لأكثر من أربعين عاماً في بلداننا، وتناوله ملايين الأطفال، في غيبةٍ من رقابة الدولة، وجهل المجتمع، وبلادة التجار.

    القضية أكبر من ماء الغريب وحلوى الجيلاتين المصنّعة من شحم الخنزير، فهي تعكس سقوط هذه الأمة التي أصبحت عالةً على الأمم، في مأكلها ومشربها، وملبسها ومسكنها ومركبها. فنحن ربّما الأمة الوحيدة اليوم على وجه الأرض، التي تعتمد كلياً على الأمم الأخرى في طعامها وخبزها وفومها وعدسها وبصلها.

    في الستينيات، وفي ذروة صعود المد القومي، وشعارات الاستقلال ومحاربة الاستعمار في «صوت العرب»، كان المفكر أحمد زكي، رئيس تحرير مجلة «العربي»، يكتب محذّراً من استمرار تبعيتنا وعبوديتنا وذيليتنا للغرب، فمصر عبدالناصر التي تحارب الولايات المتحدة، ظلّت تعتمد عليها في استيراد القمح، لئلا يموت شعبها من الجوع.

    إننا لا نلبس مما ننسج، ومازلنا نستورد أقمشتنا من الهند والسند كما كنا نفعل قبل ألف عام. ولا نأكل مما نزرع، ولا نركب طائرةً أو سيارةً أو دراجةً مما نصنع. أمةٌ عاجزةٌ متواكلةٌ معتمدة على بقية شعوب الأرض، حتى البسكويت الذي نأكله في مكاتبنا عندما نجوع، نستورده بالبواخر على بعد آلاف الكيلومترات من الصين وتايوان.


    صحيفة الوسط البحرينية - العدد 5104 - الأحد 28 أغسطس 2016م


      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 14, 2024 11:44 pm