إصدارات جديدة: الثقافة والمساواة
الكتاب: الثقافة والمساواة... نقد مساواتي للتعددية الثقافية
الكاتب: بريان باري
ترجمة: كمال المصري
الناشر: المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب/ الكويت
عرض: حيدر الجراح
شبكة النبأ: قبل شهور عديدة حدثت عدة اضطرابات في عدد من المدن البريطانية وادت الى اعمال شغب عديدة لم تقتصر على المغتربين وحدهم بل قام بها الكثير من البريطانيين ايضا، وقد تناول الكثير من الباحثين تلك الاحداث بالدرس والمتابعة لتشخيص الاسباب التي ادت الى تلك الاحداث.
رأت الكثير من الاراء بالاضافة الى الازمة الاقتصادية التي تعصف بالدول الاوربية منذ سنوات عديدة، ان هناك سببا اخر يتمحور حول موت التعددية الثقافية في المجتمع البريطاني. وذهبت الكثير من الاراء الى أن البريطانيين (الأصليين) و(المغتربين)يرفضون قيم التسامح ويكتفون بـ(تحمل) بعضهم البعض مما يتسبب في انفجار الأوضاع بشكل دوري.
وترى تلك الاراء أن عقدة أوروبا التاريخية أسفرت عن امتلاء مدنها بالمهاجرين من (العالم الثالث) الذين لا يتقيدون في الغالب ليس فقط بالقيم الأوروبية إنما أيضا بقواعد السلوك العام في شوارع باريس وبروكسل ولندن).
وتضطر الحكومات الأوروبية بموجب (مسؤوليتها المعنوية) إلى منح المهاجر الرفاه الاجتماعي، مما يجعل المواطن البلجيكي أو الفرنسي أو الإنجليزي يعمل ليس فقط لتأمين حياته بل ومعيشة المهاجرين القادمين من (العالم الثالث) مع عائلاتهم.
بعد الحرب العالميّة الثانية، حلّ مفهومُ (الاختلاف الثقافيّ) محلَّ مفهوم (العِرق) تعبيرًا عن الفصل بين الجماعات البشريّة والاختلافات في ما بينها. وقد ساعد هذا التغييرُ في استخدام المصطلح على إضفاء صفة (المساواة) بين الجماعات البشريّة، وإلغاءِ فكرة الاستعلاء التي كان ينطوي عليها مصطلحُ (العِرق): فلقد رُوِّج آنذاك أنّ التفريقَ بين المجموعات البشريّة على أساس (الانتماءالثقافيّ) يؤدّي إلى الاعتراف الصحّيّ بالاختلاف في ما بينها، أيْ من دون تفضيل بشرٍ على بشر.
من المهمّ أن نذكر هنا أنّ المطالبة بـ "التعدديّة الثقافيّة" جاءت، أوّلَ الأمر، من قِبل الدول المنتصرة التي قادت العالمَ بعد الحرب العالميّة الثانية (ثم طُبِّقتْ في سياسات الأونيسكو والمنظّماتِ العالميّة الأخرى)، لا نتيجةً لحركةٍ مطلبيّةٍ قام بها ناشطون سياسيّون ومناهضون للعِرقيّة. إنّ تلك المطالبة، إذنْ، كانت سياسةً مؤسّساتيّةً أدّت إلى نزع التسييس عن الاختلافات بين البشر (المرتبطةِ بعوامل السيطرة والاستعمار)، وإلى إلباسها قناعَ (الاختلافات الثقافيّة).
فبالترويج لفكرة أنّ العنصريّة كانت متعلّقةً بالثقافة وبعدم معرفة العناصر البشريّة المختلفة بعضها لبعض، يُطْرح حلٌّ يقوم على تغيير ثقافة نبذ الآخر. ومن البيّن أنّ ذلك قد أدّى إلى الفشل في وضع العنصريّة في سياقها التاريخيّ السياسيّ، واعتُمد بدلاً منه منحًى نفسيّ ـ اجتماعيّ اعتَبر العنصريّةَ (الأوروبيّةَ) مشكلةً مَرَضيّةً، أو مشكلةً سببُها الجهلُ لا غير؛ وبالتالي فإنّ الشفاء من هذا المرض ــ كما يُزعم ــ لا يكون إلاّ بـ (التعدديّة الثقافيّة،) وذلك من خلال العمل على التربية وبناء الهويّة و تقبّل الآخر و الاعتراف به.
ومع تحوُّلِ الرأسماليّة إلى اقتصاد السوق أو العولمة، شَجّع البنكُ الدوليّ والمؤسّساتُ العالميّةُ (التعدديّةَ الثقافيّةَ،) حتى أصبح من الصعب التفريقُ بين لغة مناهضي العولمة ولغةِ أصحاب الشركات! وقد ابتدع البنكُ الدوليّ ووكالةُ التنمية الأميركيّة (USAID) ومؤسّساتٌ مانحةٌ أخرى مكاتبَ من أجل تسويق (الحقوق الثقافيّة) للأقليّات، والسهرِ على تأكيد التشارك بينها. وتنبّه بعضُ مناهضي العولمة إلى ذلك باكرًا حين ارتفعتْ وتيرةُ الحركات المطالبة بحقوق الأقليّات ودعمِ البنك الدوليّ لها بدايةً في أميركا اللاتينيّة، في الوقت الذي كان فيه هذا البنكُ نفسُه يساعد الشركاتِ العابرةَ للقارّات على نهب ثروات أميركا اللاتينيّة وذهب أولئك المناهضون إلى أنّ خطاب (التعدديّة الثقافيّة) يؤدّي إلى تهاوي المقاومة القائمة على التضامن بين الطبقات الفقيرة العابرة للهويّات الثقافيّة والإثنيّة، وهو تضامنٌ كان يمْكن أن يَدْفع إلى خلق مشروعٍ أقوى لمناهضة العولمة.
يمْكن القولُ إنّ (التعدديّة الثقافيّة) و(الاختلاف الثقافيّ) لا يشكّلان تحدّيًا للرأسماليّة بشكلها الحاليّ، بل هما إيديولوجيّتان تابعتان لها. وقد تلاقت الدعوةُ إلى (التعدّديّة) مع حاجة الرأسماليّة إلى نمطٍ جديدٍ من الاستهلاك، وذلك بتحويل كلّ سكّان الأرض إلى محض مستهلِكين. فالحال أنّ الثقافة مشكلةٌ حقيقيّةٌ للسوق، لعدم كونها سلعةً يمْكن بيعُها في كلّ الأوقات. وقد مَكّنت (التعدديّةُ الثقافيّة) الرأسماليّةَ من الخروج من هذا المأزق: فهذه التعدديّة تَرفض (الماسترپيس) (التحفة النادرة)؛ وبدلاً من أن تكون الثقافة نادرةً، أصبحتْ سلعةً مثلَ السيّارة يمْكن تجديدُها كلَّ عامٍ أو شهر! وهكذا تصبح قواعدُ السوق هي المسيطرةَ في الحالين، ونشأتْ لغةٌ مشتركةٌ بين الداعين إلى (التعدديّة الثقافيّة) والداعين إلى اقتصاد السوق: فالشركات العابرة للقارّات تتحدّث عن (تنويع الإنتاج واستبدالِ التراتبيّة العموديّة بالشبكة الأفقيّة)؛ وبالمِثْل، يتحدّث المروِّجون للتعدديّة الثقافيّة عن (التنويع الثقافيّ) و(بناءِ مقاومةٍ عبر التشبيك الأفقيّ.)
هذا الكتاب الذي بين ايدينا يقدم نقدا للتعددية الثقافية من وجهة نظر ليبرالية مساواتية.. ويركز المؤلف بريان باري في سياق الكتاب على سياسات متنوعة تطرح تحت مسمى التعددية الثقافية.. ويقدم الحجج على تنافر تلك السياسات مع مباديء المساواتية الليبرالية.
ينظم المؤلف حججه في ثلاثة اقسام: يتناول في اولها المسائل الخاصة بالمساواة في المعاملة..ويناقش في هذا السياق الدعم الذي تتلقاه بعض جماعات الاقليات والاستثناءات القانونية التي يتمتع بها افراد جماعات تلك الاقليات..ثم يقدم تحليلا للدور الذي تمارسه الهوية في المناظرات السياسية النظرية.
وفي القسم الثاني يتناول المؤلف بالبحث والتحليل مطالب الجماعات.. وفي هذا السياق يناقش حدود حرية تكوين الجماعات وحقوق الجماعات الدينية في الاستثناء من القوانين المناهضة للتمييز الى جانب مسائل تتعلق بالتعليم الديني والثقافي.
ويتناول القسم الاخير من الكتاب مسائل سياسة التعددية الثقافية والامبريالية الثقافية.. وتتلخص الحجة الرئيسية التي يقدمها المؤلف في انه ليس من الممكن محاربة التمييز وعدم المساواة بفرض انواع اخرى من التمييز المضاد وان الحل الوحيد هو المساواة الليبرالية.. ويكتسب هذا الكتاب اهميته من كونه اول نقد منهجي للتعددية الثقافية، كما انه يفند مطالب التعددية الخاصة بالاستثناءات ويقدم حلولا بديلة.
شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 25/كانون الأول/2011 - 29/محرم الحرام/1433
الكتاب: الثقافة والمساواة... نقد مساواتي للتعددية الثقافية
الكاتب: بريان باري
ترجمة: كمال المصري
الناشر: المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب/ الكويت
عرض: حيدر الجراح
شبكة النبأ: قبل شهور عديدة حدثت عدة اضطرابات في عدد من المدن البريطانية وادت الى اعمال شغب عديدة لم تقتصر على المغتربين وحدهم بل قام بها الكثير من البريطانيين ايضا، وقد تناول الكثير من الباحثين تلك الاحداث بالدرس والمتابعة لتشخيص الاسباب التي ادت الى تلك الاحداث.
رأت الكثير من الاراء بالاضافة الى الازمة الاقتصادية التي تعصف بالدول الاوربية منذ سنوات عديدة، ان هناك سببا اخر يتمحور حول موت التعددية الثقافية في المجتمع البريطاني. وذهبت الكثير من الاراء الى أن البريطانيين (الأصليين) و(المغتربين)يرفضون قيم التسامح ويكتفون بـ(تحمل) بعضهم البعض مما يتسبب في انفجار الأوضاع بشكل دوري.
وترى تلك الاراء أن عقدة أوروبا التاريخية أسفرت عن امتلاء مدنها بالمهاجرين من (العالم الثالث) الذين لا يتقيدون في الغالب ليس فقط بالقيم الأوروبية إنما أيضا بقواعد السلوك العام في شوارع باريس وبروكسل ولندن).
وتضطر الحكومات الأوروبية بموجب (مسؤوليتها المعنوية) إلى منح المهاجر الرفاه الاجتماعي، مما يجعل المواطن البلجيكي أو الفرنسي أو الإنجليزي يعمل ليس فقط لتأمين حياته بل ومعيشة المهاجرين القادمين من (العالم الثالث) مع عائلاتهم.
بعد الحرب العالميّة الثانية، حلّ مفهومُ (الاختلاف الثقافيّ) محلَّ مفهوم (العِرق) تعبيرًا عن الفصل بين الجماعات البشريّة والاختلافات في ما بينها. وقد ساعد هذا التغييرُ في استخدام المصطلح على إضفاء صفة (المساواة) بين الجماعات البشريّة، وإلغاءِ فكرة الاستعلاء التي كان ينطوي عليها مصطلحُ (العِرق): فلقد رُوِّج آنذاك أنّ التفريقَ بين المجموعات البشريّة على أساس (الانتماءالثقافيّ) يؤدّي إلى الاعتراف الصحّيّ بالاختلاف في ما بينها، أيْ من دون تفضيل بشرٍ على بشر.
من المهمّ أن نذكر هنا أنّ المطالبة بـ "التعدديّة الثقافيّة" جاءت، أوّلَ الأمر، من قِبل الدول المنتصرة التي قادت العالمَ بعد الحرب العالميّة الثانية (ثم طُبِّقتْ في سياسات الأونيسكو والمنظّماتِ العالميّة الأخرى)، لا نتيجةً لحركةٍ مطلبيّةٍ قام بها ناشطون سياسيّون ومناهضون للعِرقيّة. إنّ تلك المطالبة، إذنْ، كانت سياسةً مؤسّساتيّةً أدّت إلى نزع التسييس عن الاختلافات بين البشر (المرتبطةِ بعوامل السيطرة والاستعمار)، وإلى إلباسها قناعَ (الاختلافات الثقافيّة).
فبالترويج لفكرة أنّ العنصريّة كانت متعلّقةً بالثقافة وبعدم معرفة العناصر البشريّة المختلفة بعضها لبعض، يُطْرح حلٌّ يقوم على تغيير ثقافة نبذ الآخر. ومن البيّن أنّ ذلك قد أدّى إلى الفشل في وضع العنصريّة في سياقها التاريخيّ السياسيّ، واعتُمد بدلاً منه منحًى نفسيّ ـ اجتماعيّ اعتَبر العنصريّةَ (الأوروبيّةَ) مشكلةً مَرَضيّةً، أو مشكلةً سببُها الجهلُ لا غير؛ وبالتالي فإنّ الشفاء من هذا المرض ــ كما يُزعم ــ لا يكون إلاّ بـ (التعدديّة الثقافيّة،) وذلك من خلال العمل على التربية وبناء الهويّة و تقبّل الآخر و الاعتراف به.
ومع تحوُّلِ الرأسماليّة إلى اقتصاد السوق أو العولمة، شَجّع البنكُ الدوليّ والمؤسّساتُ العالميّةُ (التعدديّةَ الثقافيّةَ،) حتى أصبح من الصعب التفريقُ بين لغة مناهضي العولمة ولغةِ أصحاب الشركات! وقد ابتدع البنكُ الدوليّ ووكالةُ التنمية الأميركيّة (USAID) ومؤسّساتٌ مانحةٌ أخرى مكاتبَ من أجل تسويق (الحقوق الثقافيّة) للأقليّات، والسهرِ على تأكيد التشارك بينها. وتنبّه بعضُ مناهضي العولمة إلى ذلك باكرًا حين ارتفعتْ وتيرةُ الحركات المطالبة بحقوق الأقليّات ودعمِ البنك الدوليّ لها بدايةً في أميركا اللاتينيّة، في الوقت الذي كان فيه هذا البنكُ نفسُه يساعد الشركاتِ العابرةَ للقارّات على نهب ثروات أميركا اللاتينيّة وذهب أولئك المناهضون إلى أنّ خطاب (التعدديّة الثقافيّة) يؤدّي إلى تهاوي المقاومة القائمة على التضامن بين الطبقات الفقيرة العابرة للهويّات الثقافيّة والإثنيّة، وهو تضامنٌ كان يمْكن أن يَدْفع إلى خلق مشروعٍ أقوى لمناهضة العولمة.
يمْكن القولُ إنّ (التعدديّة الثقافيّة) و(الاختلاف الثقافيّ) لا يشكّلان تحدّيًا للرأسماليّة بشكلها الحاليّ، بل هما إيديولوجيّتان تابعتان لها. وقد تلاقت الدعوةُ إلى (التعدّديّة) مع حاجة الرأسماليّة إلى نمطٍ جديدٍ من الاستهلاك، وذلك بتحويل كلّ سكّان الأرض إلى محض مستهلِكين. فالحال أنّ الثقافة مشكلةٌ حقيقيّةٌ للسوق، لعدم كونها سلعةً يمْكن بيعُها في كلّ الأوقات. وقد مَكّنت (التعدديّةُ الثقافيّة) الرأسماليّةَ من الخروج من هذا المأزق: فهذه التعدديّة تَرفض (الماسترپيس) (التحفة النادرة)؛ وبدلاً من أن تكون الثقافة نادرةً، أصبحتْ سلعةً مثلَ السيّارة يمْكن تجديدُها كلَّ عامٍ أو شهر! وهكذا تصبح قواعدُ السوق هي المسيطرةَ في الحالين، ونشأتْ لغةٌ مشتركةٌ بين الداعين إلى (التعدديّة الثقافيّة) والداعين إلى اقتصاد السوق: فالشركات العابرة للقارّات تتحدّث عن (تنويع الإنتاج واستبدالِ التراتبيّة العموديّة بالشبكة الأفقيّة)؛ وبالمِثْل، يتحدّث المروِّجون للتعدديّة الثقافيّة عن (التنويع الثقافيّ) و(بناءِ مقاومةٍ عبر التشبيك الأفقيّ.)
هذا الكتاب الذي بين ايدينا يقدم نقدا للتعددية الثقافية من وجهة نظر ليبرالية مساواتية.. ويركز المؤلف بريان باري في سياق الكتاب على سياسات متنوعة تطرح تحت مسمى التعددية الثقافية.. ويقدم الحجج على تنافر تلك السياسات مع مباديء المساواتية الليبرالية.
ينظم المؤلف حججه في ثلاثة اقسام: يتناول في اولها المسائل الخاصة بالمساواة في المعاملة..ويناقش في هذا السياق الدعم الذي تتلقاه بعض جماعات الاقليات والاستثناءات القانونية التي يتمتع بها افراد جماعات تلك الاقليات..ثم يقدم تحليلا للدور الذي تمارسه الهوية في المناظرات السياسية النظرية.
وفي القسم الثاني يتناول المؤلف بالبحث والتحليل مطالب الجماعات.. وفي هذا السياق يناقش حدود حرية تكوين الجماعات وحقوق الجماعات الدينية في الاستثناء من القوانين المناهضة للتمييز الى جانب مسائل تتعلق بالتعليم الديني والثقافي.
ويتناول القسم الاخير من الكتاب مسائل سياسة التعددية الثقافية والامبريالية الثقافية.. وتتلخص الحجة الرئيسية التي يقدمها المؤلف في انه ليس من الممكن محاربة التمييز وعدم المساواة بفرض انواع اخرى من التمييز المضاد وان الحل الوحيد هو المساواة الليبرالية.. ويكتسب هذا الكتاب اهميته من كونه اول نقد منهجي للتعددية الثقافية، كما انه يفند مطالب التعددية الخاصة بالاستثناءات ويقدم حلولا بديلة.
شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 25/كانون الأول/2011 - 29/محرم الحرام/1433