العراق... بين القائمة المفتوحة وهاجس الحيتان الكبيرة
شبكة النبأ: اختبار جديد للديمقراطية العراقية الناشئة عندما تتعرض للمطالبة بالتراجع عن الخطوة المتقدمة في التطبيق العملي للعملية الانتخابية، بما يجعل الناس أكثر قرباً من مصادر القرار، وذوي شأن في تقرير مصيرهم من خلال من ينتخبونهم عبر صناديق الاقتراع.. فقد جرّب العراق القائمة المفتوحة في انتخابات مجالس المحافظات الاخيرة، وكانت النتيجة، كما هو المتوقع صعود كيانات وتنظيمات جديدة الى ساحة العمل السياسي، وهو ما تقاطع مع مصالح سياسية وفئوية اعتادت الحصول على مكاسب مريحة دون إزعاج أو مضايقة من هذا الكيان او ذاك التنظيم.
الخطوة المتقدمة للتجربة الديمقراطية، تمثلت باعتماد طريقة "سانت ليغو" في احتساب عدد الاصوات وآلية توزيع المقاعد على المرشحين. وهي الموسومة بالقائمة المفتوحة، بعد ان جرّب العراقيون القائمة المغلقة في الانتخابات الاولى، بحيث يكون العراق كله دائرة انتخابية واحدة، وقد توزعت مقاعد البرلمان على عدد مرشحي الكيانات السياسية حسب الاولوية ومقتضى المصلحة السياسية، لا حسب آراء الناخبين، وصار بامكان القائمة والكتلة إدخال من تشاء الى مجلس النواب، إذ فقد الناس حينها صلة الوصل بينهم وبين النائب الجالس تحت قبة البرلمان.
أما الطريقة الجديدة التي اعتمدت في الدورة الاخيرة لانتخابات مجالس المحافظات، فقد اعتمدت عملية رياضية في احتساب عدد المقاعد على الكيانات الفائزة، وحسب الارقام الفردية (1،3،5)، وبذلك تزداد حظوظ الاحزاب الصغيرة في الحصول على المقاعد المتنافس عليها، وبالنتيجة يؤدي الى زيادة عدد الاحزاب الممثلة في المجلس المنتخب قياسا بطرق توزيع المقاعد الاخرى. وللعلم فقط.. فقد ابتكرت هذه الطريقة عام 1910، وقد طبقت هذه الطريقة في صورتها الاولى في النرويج والسويد عام 1951، ومن المقرر إقرار هذه الطريقة في قانون الانتخابات، لتنفيذه في الانتخابات النيابية للدورة القادمة في شهر حزيران العام القادم.
يبدو ان اعتماد هذه الطريقة في انتخابات مجلس النواب القادم، أثار حفيظة واستياء المتضررين منها في انتخابات مجالس المحافظات الاخير، حيث وجدت احزاب - حيتان- كبيرة نفسها بموازاة احزاب وكيانات صغيرة في الساحة، فهي تحصل على أصوات ومقاعد، كما تحصل هذه الكيانات الجديدة ايضاً، وهذا ما يترك أثره على الرصيد السياسي وما يعقبه من تشكيل اللجان الخاصة، والأهم من ذلك في صنع القرار، سواء في مجالس المحافظات او في مجلس النواب.
أبرز اشكال يطرحه المعارضون، صعود مرشحين بلا كفاءة بفضل أصوات الناخبين من مناطقهم، وهو ما صرّح به "احمد العبادي" الخبير القانوني المتضامن مع المعارضين لهذا القانون، بان القائمة المفتوحة، فتحت الباب لصعود "شخصيات سياسية لها عمق عشائري، وبفضل انتمائها العشائري، أما الكفاءات العلمية فسيبقى البلد محروماً منها..". ونضيف ملاحظة أخرى على هذه الطريقة، بما يشكل مأخذاً، ليس عندنا، إنما في الغرب كذلك، وهو التفاوت الكبير في قيمة المقعد من حيث عدد الاصوات، ففي حين يحصل الحزب الاول صاحب الاكثرية بالأصوات على مقعد واحد بقيمة (23) ألف صوت – مثلاً- نجد أن الحزب الرابع في سلّم الفائزين، يحصل على مقعده الوحيد بـ (8,000) صوت، أي بما يقارب من ثلث قيمة مقاعد الحزب الاول. ثم تثار مسألة تعدد الكيانات السياسية والحزبية داخل المجلس - البلدي او النيابي- وهو ما يزيد من صعوبات اتخذا القرارات او مناقشة القوانين وغير ذلك.
ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي، يرفعون لواء معارضة ومحاربة هذا التعديل الجديد، نظراً لمعطيات الدورة الانتخابية الاخيرة لمجالس المحافظات، حيث كانت الحظوة للاحزاب والكيانات الصغيرة، على حساب الكيانات الكبيرة، وفي مقدمتها هذا الائتلاف – الحاكم-. ومثالٌ على هذا الاعتراض الشديد، ما صرح به ماجد المالكي عضو ائتلاف دولة القانون في كربلاء، بان ائتلافه لا يقاطع "سياسياً عمل لجان المجلس، بقدر ما هي مقاطعة على نتيجة التوزيع غير المنصف وغير المبني على الكفاءة ولا المهنية..". وهو في ذلك يشير الى الشدّ والجذب الذي يشهده مجلس محافظة كربلاء المقدسة، على تسمية رؤساء اللجان الفرعية في المجلس، ويقول المالكي: "ان توزيع اللجان جميعها كانت بشخصيات غير اختصاصها ما عدا لجنة الصحة كانت باختصاصها وباقي اللجان الموجودة على خلاف الاختصاص تماماً". والمثير، أن ماجد المالكي يؤكد مجلس المحافظة، هو مجلس خدمي وليس سياسي، وعليه أنه يهتم بما يحتاجه المواطن من خدمات وإعمار!
أما النائب عن ائتلاف دولة القانون، في مجلس النواب، علي العلاق، فقد هدد صراحةً باحتمال حصول "انقلابات" في مجالس المحافظات بسبب اعتماد نظام القائمة المفتوحة، وتعدد الكيانات السياسية داخل المجلس! وقال: "اغلب مجالس المحافظات ستفشل بسبب تركيبتها، ومن الممكن أن تشهد تلك المجالس تغيرات، وربما تحدث انقلابات على الحكومات المحلية بسبب عدم القدرة على تقديم الخدمات.."
إن المتحدثين عن التباطؤ في تقديم الخدمات، بسبب عدم وجود الكفاءات العلمية في مراكز القرار. فان المواطن البسيط يجيبهم عن سبب الغياب طيلة العشر سنوات الماضية، وعندما كانت القائمة مغلقة وغير مفتوحة، وأصوات الناخبين التي ذهبت الى الاحزاب والكيانات الكبيرة، وليس الى الناخب، ما الذي منع هذه الاحزاب من ترشيح الكفاءات العلمية التي يتحدثون عنها اليوم؟
أما عن صعوبة اتخاذ القرار داخل المجلس، فهذه هي التجربة الديمقراطية.. فهل اعتقد أحد أن بامكان حزبه وحزب آخر، فقط من إدارة شؤون الناس بمختلف نواحيها وجوانبها..؟ أم ان الكفاءات العلمية منحصرة في حزب بعينه؟!
هذه الضجة الاخيرة تركت بالحقيقة، انطباعاً لدى المراقبين في الداخل والخارج، بفقدان سعة الصدر في المسيرة الديمقراطية، والاستفادة الصحيحة منها، علماً ان "الديمقراطية" كنظرية ومفهوم، يشوبها الكثير من اللغط والتناقض والاشكاليات، أقرها الغربيون انفسهم، لكنها "أحسن الخيارات السيئة"، كما عبّر عنها السياسي البريطاني المعروف "ونستون تشرشل". فيما يسعى البعض لأن يستفيدوا من هذه التجربة لتحقيق اهدافهم وطموحاتهم الحزبية الخاصة. وهذا يُعد من الامراض السياسية المزمنة في العالم، لاسيما العالم الثالث الحديث العهد بالمشاركة السياسية، وإنشاء العلاقة الحسنة بين الحاكم والشعب. فمسألة "قصقصة" الديمقراطية على مقاس خاص، لحزب معين، وليس وفق الارادة الجماهيرية، هي بالحقيقة من الامراض السياسية الفتاكة التي ابتليت بها الكثير من بلادنا الاسلامية، أصيبت جراءها العملية الديمقراطية بالتشوه والعرج، بحيث بات الناس يترحمون على النظام الديكتاتوري السابق، ولعل "مصر الإخوان" أقرب دليل وبرهان على ما نذهب اليه.
البعض، ومن اجل الخروج بحل مرضٍ للجميع؛ المطالبين بالتعديل الجديد على قانون الانتخابات، والمعارضين للعودة القائمة المغلقة، وذلك من خلال "القائمة نصف المغلقة"، ويعني "أن يكون انتخاب ثلثي اعضاء مجلس النواب 255 عضوا وفق آليات القائمة المفتوحة، والثلث المتبقي (100) عضواً يتم تسميتهم من بين المرشحين، من أصحاب الكفاءات حصراً، هو ما يتيح للكتل الفائزة في الانتخابات القادمة زج الكفاءات المهنية والعلمية في مجلس النواب لترتقي باداء المجلس بشكل افضل واكثر كفاءة ومهنية".
لكن هل بامكان هذه الفكرة أو (التوليفة)، ان تكون مخرجاً للجدال الدائر حول قانون الانتخابات، أو حسب تعبير رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي "دمج الفكرتين"؟ في مقابل هذه الفكرة، هنالك هاجس حقيقي من أن تكون هذه الفكاءات العلمية والمهنية، بمنزلة "حصان طروادة" للاحزاب الكبيرة والمتنفذة لتحقيق أجندة سياسية داخل مجلس النواب. نعم؛ بالقطع واليقين لهذه الكفاءات دورٌ فاعل وأساس في النهوض الاقتصادي والتطوير والنمو في مختلف مجالات الحياة، ووجودهم أمراً حاسماً في تحقيق التغيير والبناء المطلوب، لكن في خضم التجاذبات السياسية تذوب الكفاءات والقدرات لتنصهر في بوتقة المصلحة الحزبية او الفئوية، فالحزب هو الذي جاء بذلك المهندس او الاكاديمي او الاختصاص في النفط والطاقة والاتصالات والاقتصاد وغيرها، وليس الشعب، فكما ان المصلحة اقتضت مجيئه، فان المصلحة ربما تقتضي تنحيته بسهولة او التقليل من دوره وتأثيره، لأن بكل بساطة هو ليس مسؤولاً أمام الناس الذين يدلون بأصواتهم ويحبرون اصابعهم، إنما مسؤول أمام حزبه او حتى مسؤوله الحزبي الذي يكنّ له الاحترام والتبجيل الخاصّ.
من هنا، يكون على السياسيين الحريصين حقاً على إنجاح التجربة الديمقراطية في العراق، التفكير أولاً: بالثقافة الديمقراطية وتكريسها في الوسط الاجتماعي، ثم التفكير بالمكاسب السياسية من وراء هذه التجربة، بحيث يكون الناخب واعياً بالكامل لمن ينتخب ويتعرف على الكفاءات المهنية والعلمية التي يتحدث عنها المتذمرون من القائمة المفتوحة.
شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 21/تموز/2013 - 12/رمضان/1434
شبكة النبأ: اختبار جديد للديمقراطية العراقية الناشئة عندما تتعرض للمطالبة بالتراجع عن الخطوة المتقدمة في التطبيق العملي للعملية الانتخابية، بما يجعل الناس أكثر قرباً من مصادر القرار، وذوي شأن في تقرير مصيرهم من خلال من ينتخبونهم عبر صناديق الاقتراع.. فقد جرّب العراق القائمة المفتوحة في انتخابات مجالس المحافظات الاخيرة، وكانت النتيجة، كما هو المتوقع صعود كيانات وتنظيمات جديدة الى ساحة العمل السياسي، وهو ما تقاطع مع مصالح سياسية وفئوية اعتادت الحصول على مكاسب مريحة دون إزعاج أو مضايقة من هذا الكيان او ذاك التنظيم.
الخطوة المتقدمة للتجربة الديمقراطية، تمثلت باعتماد طريقة "سانت ليغو" في احتساب عدد الاصوات وآلية توزيع المقاعد على المرشحين. وهي الموسومة بالقائمة المفتوحة، بعد ان جرّب العراقيون القائمة المغلقة في الانتخابات الاولى، بحيث يكون العراق كله دائرة انتخابية واحدة، وقد توزعت مقاعد البرلمان على عدد مرشحي الكيانات السياسية حسب الاولوية ومقتضى المصلحة السياسية، لا حسب آراء الناخبين، وصار بامكان القائمة والكتلة إدخال من تشاء الى مجلس النواب، إذ فقد الناس حينها صلة الوصل بينهم وبين النائب الجالس تحت قبة البرلمان.
أما الطريقة الجديدة التي اعتمدت في الدورة الاخيرة لانتخابات مجالس المحافظات، فقد اعتمدت عملية رياضية في احتساب عدد المقاعد على الكيانات الفائزة، وحسب الارقام الفردية (1،3،5)، وبذلك تزداد حظوظ الاحزاب الصغيرة في الحصول على المقاعد المتنافس عليها، وبالنتيجة يؤدي الى زيادة عدد الاحزاب الممثلة في المجلس المنتخب قياسا بطرق توزيع المقاعد الاخرى. وللعلم فقط.. فقد ابتكرت هذه الطريقة عام 1910، وقد طبقت هذه الطريقة في صورتها الاولى في النرويج والسويد عام 1951، ومن المقرر إقرار هذه الطريقة في قانون الانتخابات، لتنفيذه في الانتخابات النيابية للدورة القادمة في شهر حزيران العام القادم.
يبدو ان اعتماد هذه الطريقة في انتخابات مجلس النواب القادم، أثار حفيظة واستياء المتضررين منها في انتخابات مجالس المحافظات الاخير، حيث وجدت احزاب - حيتان- كبيرة نفسها بموازاة احزاب وكيانات صغيرة في الساحة، فهي تحصل على أصوات ومقاعد، كما تحصل هذه الكيانات الجديدة ايضاً، وهذا ما يترك أثره على الرصيد السياسي وما يعقبه من تشكيل اللجان الخاصة، والأهم من ذلك في صنع القرار، سواء في مجالس المحافظات او في مجلس النواب.
أبرز اشكال يطرحه المعارضون، صعود مرشحين بلا كفاءة بفضل أصوات الناخبين من مناطقهم، وهو ما صرّح به "احمد العبادي" الخبير القانوني المتضامن مع المعارضين لهذا القانون، بان القائمة المفتوحة، فتحت الباب لصعود "شخصيات سياسية لها عمق عشائري، وبفضل انتمائها العشائري، أما الكفاءات العلمية فسيبقى البلد محروماً منها..". ونضيف ملاحظة أخرى على هذه الطريقة، بما يشكل مأخذاً، ليس عندنا، إنما في الغرب كذلك، وهو التفاوت الكبير في قيمة المقعد من حيث عدد الاصوات، ففي حين يحصل الحزب الاول صاحب الاكثرية بالأصوات على مقعد واحد بقيمة (23) ألف صوت – مثلاً- نجد أن الحزب الرابع في سلّم الفائزين، يحصل على مقعده الوحيد بـ (8,000) صوت، أي بما يقارب من ثلث قيمة مقاعد الحزب الاول. ثم تثار مسألة تعدد الكيانات السياسية والحزبية داخل المجلس - البلدي او النيابي- وهو ما يزيد من صعوبات اتخذا القرارات او مناقشة القوانين وغير ذلك.
ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي، يرفعون لواء معارضة ومحاربة هذا التعديل الجديد، نظراً لمعطيات الدورة الانتخابية الاخيرة لمجالس المحافظات، حيث كانت الحظوة للاحزاب والكيانات الصغيرة، على حساب الكيانات الكبيرة، وفي مقدمتها هذا الائتلاف – الحاكم-. ومثالٌ على هذا الاعتراض الشديد، ما صرح به ماجد المالكي عضو ائتلاف دولة القانون في كربلاء، بان ائتلافه لا يقاطع "سياسياً عمل لجان المجلس، بقدر ما هي مقاطعة على نتيجة التوزيع غير المنصف وغير المبني على الكفاءة ولا المهنية..". وهو في ذلك يشير الى الشدّ والجذب الذي يشهده مجلس محافظة كربلاء المقدسة، على تسمية رؤساء اللجان الفرعية في المجلس، ويقول المالكي: "ان توزيع اللجان جميعها كانت بشخصيات غير اختصاصها ما عدا لجنة الصحة كانت باختصاصها وباقي اللجان الموجودة على خلاف الاختصاص تماماً". والمثير، أن ماجد المالكي يؤكد مجلس المحافظة، هو مجلس خدمي وليس سياسي، وعليه أنه يهتم بما يحتاجه المواطن من خدمات وإعمار!
أما النائب عن ائتلاف دولة القانون، في مجلس النواب، علي العلاق، فقد هدد صراحةً باحتمال حصول "انقلابات" في مجالس المحافظات بسبب اعتماد نظام القائمة المفتوحة، وتعدد الكيانات السياسية داخل المجلس! وقال: "اغلب مجالس المحافظات ستفشل بسبب تركيبتها، ومن الممكن أن تشهد تلك المجالس تغيرات، وربما تحدث انقلابات على الحكومات المحلية بسبب عدم القدرة على تقديم الخدمات.."
إن المتحدثين عن التباطؤ في تقديم الخدمات، بسبب عدم وجود الكفاءات العلمية في مراكز القرار. فان المواطن البسيط يجيبهم عن سبب الغياب طيلة العشر سنوات الماضية، وعندما كانت القائمة مغلقة وغير مفتوحة، وأصوات الناخبين التي ذهبت الى الاحزاب والكيانات الكبيرة، وليس الى الناخب، ما الذي منع هذه الاحزاب من ترشيح الكفاءات العلمية التي يتحدثون عنها اليوم؟
أما عن صعوبة اتخاذ القرار داخل المجلس، فهذه هي التجربة الديمقراطية.. فهل اعتقد أحد أن بامكان حزبه وحزب آخر، فقط من إدارة شؤون الناس بمختلف نواحيها وجوانبها..؟ أم ان الكفاءات العلمية منحصرة في حزب بعينه؟!
هذه الضجة الاخيرة تركت بالحقيقة، انطباعاً لدى المراقبين في الداخل والخارج، بفقدان سعة الصدر في المسيرة الديمقراطية، والاستفادة الصحيحة منها، علماً ان "الديمقراطية" كنظرية ومفهوم، يشوبها الكثير من اللغط والتناقض والاشكاليات، أقرها الغربيون انفسهم، لكنها "أحسن الخيارات السيئة"، كما عبّر عنها السياسي البريطاني المعروف "ونستون تشرشل". فيما يسعى البعض لأن يستفيدوا من هذه التجربة لتحقيق اهدافهم وطموحاتهم الحزبية الخاصة. وهذا يُعد من الامراض السياسية المزمنة في العالم، لاسيما العالم الثالث الحديث العهد بالمشاركة السياسية، وإنشاء العلاقة الحسنة بين الحاكم والشعب. فمسألة "قصقصة" الديمقراطية على مقاس خاص، لحزب معين، وليس وفق الارادة الجماهيرية، هي بالحقيقة من الامراض السياسية الفتاكة التي ابتليت بها الكثير من بلادنا الاسلامية، أصيبت جراءها العملية الديمقراطية بالتشوه والعرج، بحيث بات الناس يترحمون على النظام الديكتاتوري السابق، ولعل "مصر الإخوان" أقرب دليل وبرهان على ما نذهب اليه.
البعض، ومن اجل الخروج بحل مرضٍ للجميع؛ المطالبين بالتعديل الجديد على قانون الانتخابات، والمعارضين للعودة القائمة المغلقة، وذلك من خلال "القائمة نصف المغلقة"، ويعني "أن يكون انتخاب ثلثي اعضاء مجلس النواب 255 عضوا وفق آليات القائمة المفتوحة، والثلث المتبقي (100) عضواً يتم تسميتهم من بين المرشحين، من أصحاب الكفاءات حصراً، هو ما يتيح للكتل الفائزة في الانتخابات القادمة زج الكفاءات المهنية والعلمية في مجلس النواب لترتقي باداء المجلس بشكل افضل واكثر كفاءة ومهنية".
لكن هل بامكان هذه الفكرة أو (التوليفة)، ان تكون مخرجاً للجدال الدائر حول قانون الانتخابات، أو حسب تعبير رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي "دمج الفكرتين"؟ في مقابل هذه الفكرة، هنالك هاجس حقيقي من أن تكون هذه الفكاءات العلمية والمهنية، بمنزلة "حصان طروادة" للاحزاب الكبيرة والمتنفذة لتحقيق أجندة سياسية داخل مجلس النواب. نعم؛ بالقطع واليقين لهذه الكفاءات دورٌ فاعل وأساس في النهوض الاقتصادي والتطوير والنمو في مختلف مجالات الحياة، ووجودهم أمراً حاسماً في تحقيق التغيير والبناء المطلوب، لكن في خضم التجاذبات السياسية تذوب الكفاءات والقدرات لتنصهر في بوتقة المصلحة الحزبية او الفئوية، فالحزب هو الذي جاء بذلك المهندس او الاكاديمي او الاختصاص في النفط والطاقة والاتصالات والاقتصاد وغيرها، وليس الشعب، فكما ان المصلحة اقتضت مجيئه، فان المصلحة ربما تقتضي تنحيته بسهولة او التقليل من دوره وتأثيره، لأن بكل بساطة هو ليس مسؤولاً أمام الناس الذين يدلون بأصواتهم ويحبرون اصابعهم، إنما مسؤول أمام حزبه او حتى مسؤوله الحزبي الذي يكنّ له الاحترام والتبجيل الخاصّ.
من هنا، يكون على السياسيين الحريصين حقاً على إنجاح التجربة الديمقراطية في العراق، التفكير أولاً: بالثقافة الديمقراطية وتكريسها في الوسط الاجتماعي، ثم التفكير بالمكاسب السياسية من وراء هذه التجربة، بحيث يكون الناخب واعياً بالكامل لمن ينتخب ويتعرف على الكفاءات المهنية والعلمية التي يتحدث عنها المتذمرون من القائمة المفتوحة.
شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 21/تموز/2013 - 12/رمضان/1434