مذكرات فرح ديبا... الصعود إلى العرش
قاسم حسين
صدرت هذه المذكرات باللغة الفرنسية عام 2003، وتُرجمت إلى العربية في 2010، وهو كتابٌ مليءٌ بالعِبَر والعبَرَات، ويدفع إلى الكثير من الأفكار والتأملات.
الصدفة وحدها جعلت فرح ديبا امبراطورةً، وهي ابنة ضابطٍ غير معروف بجيش رضا شاه تُوفي عنها وهي في العاشرة، وكان جدّها يخدم في قصر آخر ملوك القاجاريين، وتقول عن أسرتها: «والدي مسلم شيعي مثل معظم الإيرانيين، لكن والدتي كانت أكثر تديناً، فكانت تشارك في الطقوس حيث يأتي رجال دين ليروُوا سير الشهداء بمشاعر فياضة».
تزوّج الشاه ثلاث مرات، الأولى من فوزية أخت الملك فاروق، وكان يحبها كثيراً، وأنجب منها بنتاً واحدة، وانتهى الزواج بالطلاق وعودتها إلى مصر، ليرتبط بزوجته الثانية: ثريا اسفندياري، ابنة سفير إيران بألمانيا، من زوجته الألمانية إيفا كارول، إلا أنها لم تنجب له ذكراً يورّثه العرش، وحين فكّر بالزواج من أخرى طلبت الطلاق، وأعلنت الصحافة في ربيع 1958 عن بحثه عن فتاةٍ تنجب له ولداً، تحقيقاً لوصية والده حين طرده الانجليز والروس عام 1941، إذ خاطبه على سلم الطائرة: «تزوّج لتنجب ولداً يرث عرشك».
بعد أشهرٍ زار فرنسا، ودعت السفارة الجالية والطلاب للقائه، وهناك شاهدها لأول مرةٍ، ليتم ترتيب عودتها إلى إيران. كانت تدرس الهندسة المعمارية على حساب عائلتها، وبسبب الحالة المادية قرّرت ألا تعود قبل إكمالها بعد أربع سنوات. لكن بعد لقاء الشاه تم ترتيب عودتها، لتقابله مرةً أخرى في القصر، حيث كان يخرج معها في جولاتٍ بسيارته، وفي إحدى المرات دعاها للسباحة معه بالبكيني في مسبح القصر، وبعدها أعلن رغبته بالزواج، فوافقت دون تردد، وعادت إلى باريس لتجهز فستان الزواج.
لم يكن يبدو عليها أي تميّز أو عبقرية أو ذكاء خاص، وكانت تعيش حياةً متغرّبة، وتعترف بأنها كانت «مجنونة» بألفيس بريسلي، ملك الروك أند رول، «مثل جميع شباب طهران». وبعد شهرين من الزواج وقع الحمل، وانتشر الخبر، وبدأ الناس يرسلون الطرود بالهدايا والأحذية الزرقاء لولي العهد «رضا» الذي وُلد في أكتوبر 1960، ولم يستطع أبوه الوصول إلى مقام «شاه عبدالعظيم» الحسني (جنوب طهران) للصلاة هناك بسبب الازدحام، وقال لها إنه «لم يشهد مثل هذا الفيض من الفرحة العارمة والدفء» كما تقول.
في العام التالي زارا الرئيس الأميركي المنتخب حديثاً (جون كينيدي)، لكن كانت تنتظرهم مفاجأةٌ غير سارة، حيث خرجت مظاهرات نظمها آلاف الطلبة الإيرانيين، ينتمون لحزب «تودة» وبقية الحركات المناهضة للملكية. وقد هزّها الحدث كثيراً، «كانوا في كل مكان، ونحن نسمعهم يهتفون من الصباح حتى الليل، تحت نوافذ الفندق». وظلّ هذا الحدث يؤرقها طويلاً، فرفضت بعد سنواتٍ مرافقة زوجها للولايات المتحدة في زيارة رسمية، لأنها لم تكن مستعدة لسماع «المزيد من الإهانات»!
في العام 1962، أطلق الشاه ما أسماه «الثورة البيضاء»، التي «استهدفت تحويل إيران إلى دولة حديثة دون إراقة قطرة دم واحدة»، كما قالت، متناسيةً ما كانت تعج به سجونه من آلاف المعتقلين السياسيين. هذه الفترة الزاهية في نظرها، التي تستعرض فيها «إنجازات الشاه»، كانت فترة انتكاسة شعبية بعد قمع الثورة الوطنية أيام مصدق، وسيادة القمع والانتقام من المعارضة وبعثرتها في المنافي والسجون، بعدما أبدت القوى الوطنية والشيوعية والإسلامية معارضتها لـ»الإصلاحات الكبرى». وهو ما وصفه الشاه بـ»الحلف الملعون بين الحمر والسود». وتعترف فرح بأنه كان يعتمد على «النشاط القوي للمخابرات ضد الرجعية والظلامية».
بعد خمس سنواتٍ من الزواج، قرّر الشاه «الذي كان يريد إقامة دولة ديمقراطية حديثة»، تعيينها وصيةً على العرش، حتى يبلغ ابنها البكر رضا سن العشرين، كما كان يحدث في العصور الوسطى. وهكذا وضع مصير 30 مليون إيراني، فيما لو حصل له حادث، بيد طالبةٍ لم تكمل دراستها الجامعية، لم تتجاوز الثامنة والعشرين بعد.
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 5023 - الأربعاء 08 يونيو 2016م
قاسم حسين
صدرت هذه المذكرات باللغة الفرنسية عام 2003، وتُرجمت إلى العربية في 2010، وهو كتابٌ مليءٌ بالعِبَر والعبَرَات، ويدفع إلى الكثير من الأفكار والتأملات.
الصدفة وحدها جعلت فرح ديبا امبراطورةً، وهي ابنة ضابطٍ غير معروف بجيش رضا شاه تُوفي عنها وهي في العاشرة، وكان جدّها يخدم في قصر آخر ملوك القاجاريين، وتقول عن أسرتها: «والدي مسلم شيعي مثل معظم الإيرانيين، لكن والدتي كانت أكثر تديناً، فكانت تشارك في الطقوس حيث يأتي رجال دين ليروُوا سير الشهداء بمشاعر فياضة».
تزوّج الشاه ثلاث مرات، الأولى من فوزية أخت الملك فاروق، وكان يحبها كثيراً، وأنجب منها بنتاً واحدة، وانتهى الزواج بالطلاق وعودتها إلى مصر، ليرتبط بزوجته الثانية: ثريا اسفندياري، ابنة سفير إيران بألمانيا، من زوجته الألمانية إيفا كارول، إلا أنها لم تنجب له ذكراً يورّثه العرش، وحين فكّر بالزواج من أخرى طلبت الطلاق، وأعلنت الصحافة في ربيع 1958 عن بحثه عن فتاةٍ تنجب له ولداً، تحقيقاً لوصية والده حين طرده الانجليز والروس عام 1941، إذ خاطبه على سلم الطائرة: «تزوّج لتنجب ولداً يرث عرشك».
بعد أشهرٍ زار فرنسا، ودعت السفارة الجالية والطلاب للقائه، وهناك شاهدها لأول مرةٍ، ليتم ترتيب عودتها إلى إيران. كانت تدرس الهندسة المعمارية على حساب عائلتها، وبسبب الحالة المادية قرّرت ألا تعود قبل إكمالها بعد أربع سنوات. لكن بعد لقاء الشاه تم ترتيب عودتها، لتقابله مرةً أخرى في القصر، حيث كان يخرج معها في جولاتٍ بسيارته، وفي إحدى المرات دعاها للسباحة معه بالبكيني في مسبح القصر، وبعدها أعلن رغبته بالزواج، فوافقت دون تردد، وعادت إلى باريس لتجهز فستان الزواج.
لم يكن يبدو عليها أي تميّز أو عبقرية أو ذكاء خاص، وكانت تعيش حياةً متغرّبة، وتعترف بأنها كانت «مجنونة» بألفيس بريسلي، ملك الروك أند رول، «مثل جميع شباب طهران». وبعد شهرين من الزواج وقع الحمل، وانتشر الخبر، وبدأ الناس يرسلون الطرود بالهدايا والأحذية الزرقاء لولي العهد «رضا» الذي وُلد في أكتوبر 1960، ولم يستطع أبوه الوصول إلى مقام «شاه عبدالعظيم» الحسني (جنوب طهران) للصلاة هناك بسبب الازدحام، وقال لها إنه «لم يشهد مثل هذا الفيض من الفرحة العارمة والدفء» كما تقول.
في العام التالي زارا الرئيس الأميركي المنتخب حديثاً (جون كينيدي)، لكن كانت تنتظرهم مفاجأةٌ غير سارة، حيث خرجت مظاهرات نظمها آلاف الطلبة الإيرانيين، ينتمون لحزب «تودة» وبقية الحركات المناهضة للملكية. وقد هزّها الحدث كثيراً، «كانوا في كل مكان، ونحن نسمعهم يهتفون من الصباح حتى الليل، تحت نوافذ الفندق». وظلّ هذا الحدث يؤرقها طويلاً، فرفضت بعد سنواتٍ مرافقة زوجها للولايات المتحدة في زيارة رسمية، لأنها لم تكن مستعدة لسماع «المزيد من الإهانات»!
في العام 1962، أطلق الشاه ما أسماه «الثورة البيضاء»، التي «استهدفت تحويل إيران إلى دولة حديثة دون إراقة قطرة دم واحدة»، كما قالت، متناسيةً ما كانت تعج به سجونه من آلاف المعتقلين السياسيين. هذه الفترة الزاهية في نظرها، التي تستعرض فيها «إنجازات الشاه»، كانت فترة انتكاسة شعبية بعد قمع الثورة الوطنية أيام مصدق، وسيادة القمع والانتقام من المعارضة وبعثرتها في المنافي والسجون، بعدما أبدت القوى الوطنية والشيوعية والإسلامية معارضتها لـ»الإصلاحات الكبرى». وهو ما وصفه الشاه بـ»الحلف الملعون بين الحمر والسود». وتعترف فرح بأنه كان يعتمد على «النشاط القوي للمخابرات ضد الرجعية والظلامية».
بعد خمس سنواتٍ من الزواج، قرّر الشاه «الذي كان يريد إقامة دولة ديمقراطية حديثة»، تعيينها وصيةً على العرش، حتى يبلغ ابنها البكر رضا سن العشرين، كما كان يحدث في العصور الوسطى. وهكذا وضع مصير 30 مليون إيراني، فيما لو حصل له حادث، بيد طالبةٍ لم تكمل دراستها الجامعية، لم تتجاوز الثامنة والعشرين بعد.
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 5023 - الأربعاء 08 يونيو 2016م