ـ1ـ
حكم على «سيزيف» بأن يدحرج من أعلى الجبل وبلا انقطاع صخرة ثقيلة تعود مرة تلو مرة لتهوي الى الأسفل، فقد ظنوا والسبب معقول، انه ليس هناك عقاب أبشع من العمل الذي لا أمل منه، ولا جدوى له..
ذلك في الأسطورة الإغريقية القديمة، يهمنا منها ذلك المعنى، اللا أمل، واللا جدوى، فقد وجدنا ان هناك كثرًا حاذقين في بث كل ما يحمل او يؤدي او يفرز نفس المعنى، وما دام الأمل يعني ضمن ما يعنيه صناعة
المستقبل، فإن اللا أمل واللا جدوى تعني صناعة اليأس والإحباط، وعناصر احتشاد نمو هذه الصناعة، وتشابكها، وتساند بعضها على بعض أحسب انها جلية واضحة عند من يمعنون في واقع الحال الراهن..
نستذكر ذلك ونحن نتابع الكثير من مجريات الأمور في هذا الواقع في كل مجال وميدان، وهو أمر موضع تجاهل يدهش كل من يؤرق ضمائرهم ما يحدث، دعونا في هذا السياق نتوقف هذه المرة وتحديدًا امام هؤلاء
النواب - نعود اليهم مرارًا وتكرارًا - فعلى خلفية إقرار مجلس النواب في جلسة الأسبوع الماضي رفع توصيات لجنة الشؤون المالية والاقتصادية الى الحكومة، وجدنا من ظهر من النواب وهو يلوح باستجوابات، ولجان تحقيق ومساءلات و«خطوات أخرى»، وكأنهم يمهدون لجولة جديدة من السجالات العقيمة المعهودة في دور الانعقاد المقبل للمجلس النيابي، لعلهم يظنون انهم بذلك يستمدون حضورًا ونورًا وشرعية وربما بطولة..!!
المواطن الذي طال انتظاره لعمل برلماني معتبر بات على يقين بأن اي جعجعة في ملف التجاوزات والأخطاء ومظاهر الفساد التي يوثقها ديوان الرقابة في تقاريره، لن تحقق اي نتيجة ولن تذهب الى حساب اي مسؤول عن أخطائه او تجاوزاته، والشواهد كثيرة لا تخطئها عين مراقب للمشهد البرلماني جعلت المواطن يدرك بأنه أصبح متربعًا على جبل من الأوهام بعد تقارير أصدرها الديوان على مدى 14 سنة، ولذلك فإن هذا المواطن اذا ما افترض ان تعاطى النواب مع ملف تقرير الرقابة سيكون مختلفًا في المرة القادمة، وان الأصفاد التي وضعها النواب أنفسهم لتكبيل قيمة المساءلة والمحاسبة والاستجواب يمكن تجاوزها، وانهم سيمتلكون القدرة والعزيمة في تجاوز ما جرت عليه العادة حين تحول التعامل مع التقارير السابقة الى سيناريو رديء لمسرحية هزلية مليئة بالصخب والضجيج والمزادات والمزايدات والشعارات، اذا ما افترض المواطن ذلك، فإنه ليس بوسعه إلا التذكر بما قاله في ذات الجلسة واحد منهم وفيهم «هذا الميدان يا حميدان»، وهذا يعني، أرونا يا نواب همتكم، جديتكم، مصداقيتكم، قدرتكم ولو على استجواب واحد..!! وإلا سنظل نذكر ونتذكر لكم قدرتكم الفذة على صناعة اليأس والإحباط..!!
ـ2ـ
فساد نواب ومساس باستقامة ونزاهة العمل البرلماني، نعم، لا يمكن ان يخرج المرء حيال ما قاله احد النواب في نفس الجلسة إلا بتلك الخلاصة، فهو كلام ليس هينًا في المعنى والدلالة، وإن كنا لا نعتبره كلامًا صادمًا
او جارحًا للمشاعر، لأننا تلقينا مثل هذا الكلام الكثير، وظننا انه كلام لن يمر مرور الكرام، كما ظننا - رغم ان بعض الظن إثم - بأنه سيعجل بفتح ملفات آن أوان فتحها، وجرد محتوياتها، وإجراء حوار صريح حولها، ولكن شيئًا من هذا القبيل لم يحدث، ولم يفجر ما قيل أصداء حتى في أوساط النخبة ومنابر الرأي العام..
لن نطيل، نعود الى كلام النائب، قال وبالنص: «الكتل النيابية، بما فيها الكتلة التي حصلت على (هالة كبيرة) وضعوا تقرير ديوان الرقابة المالية والادارية في الأدراج، بدؤوا بمساومة الوزراء على توظيف بعض منتسبي جمعياتهم، وهذا أدى الى توظيف طائفي، وتوظيف من بعض الأحزاب لدى بعض الجهات» (الوطن - الأربعاء الاول من يونيو)
نائب آخر قال: «من أمن العقوبة أساء الأدب، الأخطاء والمخالفات تتكرر على مدى 14 سنة، ولا يوجد إجراء تجاه هذه المخالفات، بل هناك زيادة في الفساد والسرقات..»، وذلك كله قد يفسر لنا لماذا يقتصر الحديث عن فساد دون فاسدين، وأخطاء دون مخطئين، وتجاوزات دون متجاوزين..!! ولماذا غيبت قيمة المساءلة والمحاسبة، ولماذا لم يحاسب أحد أحدًا.
ذلك، وقبل ذلك كثير، وحدنا الكثير من الكلام، والكثير من الوقائع والممارسات، وكله من النوع الذي نستخلص منه ان الحلم بتجربة برلمانية معتبرة يتآكل ويتحول الى سراب.. وكأن هناك من يريد اغتيال الفرص، إن كانت لا تزال متاحة..!! وهذا أمر ندفع ثمنه باهضًا..!!
ـ3ـ
فساد النواب، في أكثر من بلد تحدثوا عن هذا النوع من الفساد، وفي بلادنا جرت أحاديث عن فساد نواب، فبالإضافة الى ما سلف ذكره، هناك انواع اخرى من الفساد، هناك الفساد المتمثل في النائب الذي قدم نفسه لناخبيه على انه مستقل وعند دخوله البرلمان وجدناه تابعًا لتيار سياسي او جمعية دينية، وهناك نواب شكلوا لجان تحقيق للنظر في تجاوزات فجة اختفت فجأة كلجنة التحقيق في تجاوزات مستشفى الملك حمد في الفصل التشريعي السابق، ولازال المرء يتذكر تصريح رئيس هذه اللجنة وهو يعلن ان التجاوزات في هذا الملف فاق التوقعات..! يمكن ان نشير كذلك الى ما نشر من ان نوابًا استغلوا مقاعدهم النيابية ونفوذهم بتغيير تصنيف منطقة سكنية الى تجارية، ونوابًا يتغيبون عن الجلسات من أجل تعطيلها، ونوابًا يجتمعون مع وزراء ومسؤولين من أجل تكسب، او خدمة خاصة، او منفعة للمحاسيب، او واسطة يخرقون بها كل الضوابط والأولويات وحقوق الغير، ويظهرون في صورة انهم بحثوا الامور التي تهم الناخبين، وأحيانًا يذهبون الى أبعد من ذلك حين يقال بأنهم بحثوا الامور التي تهم الشعب، ونسوا او تناسوا ان هذه الامور تناقش تحت قبة البرلمان وليس من ورائها، وفي المكاتب المغلقة، ووجدنا نوابًا يتحركون بالرموت كونترول يتلقون التعليمات ليفتحوا ملفات ويغلقوا ملفات، او يميعوا ملفات.. او «ذبح» مشاريع استجواب، او... او... من المؤسف حقًا ان تمر تلك الأمور، وأسوأ منها، وكأنها شيء عادي، لا يترتب عليه استنفار على اي مستوى ولا يسبب اي دهشة، ولا يستدعي ما يصحح المعوج ويبيض الوجه..!!
حكم على «سيزيف» بأن يدحرج من أعلى الجبل وبلا انقطاع صخرة ثقيلة تعود مرة تلو مرة لتهوي الى الأسفل، فقد ظنوا والسبب معقول، انه ليس هناك عقاب أبشع من العمل الذي لا أمل منه، ولا جدوى له..
ذلك في الأسطورة الإغريقية القديمة، يهمنا منها ذلك المعنى، اللا أمل، واللا جدوى، فقد وجدنا ان هناك كثرًا حاذقين في بث كل ما يحمل او يؤدي او يفرز نفس المعنى، وما دام الأمل يعني ضمن ما يعنيه صناعة
المستقبل، فإن اللا أمل واللا جدوى تعني صناعة اليأس والإحباط، وعناصر احتشاد نمو هذه الصناعة، وتشابكها، وتساند بعضها على بعض أحسب انها جلية واضحة عند من يمعنون في واقع الحال الراهن..
نستذكر ذلك ونحن نتابع الكثير من مجريات الأمور في هذا الواقع في كل مجال وميدان، وهو أمر موضع تجاهل يدهش كل من يؤرق ضمائرهم ما يحدث، دعونا في هذا السياق نتوقف هذه المرة وتحديدًا امام هؤلاء
النواب - نعود اليهم مرارًا وتكرارًا - فعلى خلفية إقرار مجلس النواب في جلسة الأسبوع الماضي رفع توصيات لجنة الشؤون المالية والاقتصادية الى الحكومة، وجدنا من ظهر من النواب وهو يلوح باستجوابات، ولجان تحقيق ومساءلات و«خطوات أخرى»، وكأنهم يمهدون لجولة جديدة من السجالات العقيمة المعهودة في دور الانعقاد المقبل للمجلس النيابي، لعلهم يظنون انهم بذلك يستمدون حضورًا ونورًا وشرعية وربما بطولة..!!
المواطن الذي طال انتظاره لعمل برلماني معتبر بات على يقين بأن اي جعجعة في ملف التجاوزات والأخطاء ومظاهر الفساد التي يوثقها ديوان الرقابة في تقاريره، لن تحقق اي نتيجة ولن تذهب الى حساب اي مسؤول عن أخطائه او تجاوزاته، والشواهد كثيرة لا تخطئها عين مراقب للمشهد البرلماني جعلت المواطن يدرك بأنه أصبح متربعًا على جبل من الأوهام بعد تقارير أصدرها الديوان على مدى 14 سنة، ولذلك فإن هذا المواطن اذا ما افترض ان تعاطى النواب مع ملف تقرير الرقابة سيكون مختلفًا في المرة القادمة، وان الأصفاد التي وضعها النواب أنفسهم لتكبيل قيمة المساءلة والمحاسبة والاستجواب يمكن تجاوزها، وانهم سيمتلكون القدرة والعزيمة في تجاوز ما جرت عليه العادة حين تحول التعامل مع التقارير السابقة الى سيناريو رديء لمسرحية هزلية مليئة بالصخب والضجيج والمزادات والمزايدات والشعارات، اذا ما افترض المواطن ذلك، فإنه ليس بوسعه إلا التذكر بما قاله في ذات الجلسة واحد منهم وفيهم «هذا الميدان يا حميدان»، وهذا يعني، أرونا يا نواب همتكم، جديتكم، مصداقيتكم، قدرتكم ولو على استجواب واحد..!! وإلا سنظل نذكر ونتذكر لكم قدرتكم الفذة على صناعة اليأس والإحباط..!!
ـ2ـ
فساد نواب ومساس باستقامة ونزاهة العمل البرلماني، نعم، لا يمكن ان يخرج المرء حيال ما قاله احد النواب في نفس الجلسة إلا بتلك الخلاصة، فهو كلام ليس هينًا في المعنى والدلالة، وإن كنا لا نعتبره كلامًا صادمًا
او جارحًا للمشاعر، لأننا تلقينا مثل هذا الكلام الكثير، وظننا انه كلام لن يمر مرور الكرام، كما ظننا - رغم ان بعض الظن إثم - بأنه سيعجل بفتح ملفات آن أوان فتحها، وجرد محتوياتها، وإجراء حوار صريح حولها، ولكن شيئًا من هذا القبيل لم يحدث، ولم يفجر ما قيل أصداء حتى في أوساط النخبة ومنابر الرأي العام..
لن نطيل، نعود الى كلام النائب، قال وبالنص: «الكتل النيابية، بما فيها الكتلة التي حصلت على (هالة كبيرة) وضعوا تقرير ديوان الرقابة المالية والادارية في الأدراج، بدؤوا بمساومة الوزراء على توظيف بعض منتسبي جمعياتهم، وهذا أدى الى توظيف طائفي، وتوظيف من بعض الأحزاب لدى بعض الجهات» (الوطن - الأربعاء الاول من يونيو)
نائب آخر قال: «من أمن العقوبة أساء الأدب، الأخطاء والمخالفات تتكرر على مدى 14 سنة، ولا يوجد إجراء تجاه هذه المخالفات، بل هناك زيادة في الفساد والسرقات..»، وذلك كله قد يفسر لنا لماذا يقتصر الحديث عن فساد دون فاسدين، وأخطاء دون مخطئين، وتجاوزات دون متجاوزين..!! ولماذا غيبت قيمة المساءلة والمحاسبة، ولماذا لم يحاسب أحد أحدًا.
ذلك، وقبل ذلك كثير، وحدنا الكثير من الكلام، والكثير من الوقائع والممارسات، وكله من النوع الذي نستخلص منه ان الحلم بتجربة برلمانية معتبرة يتآكل ويتحول الى سراب.. وكأن هناك من يريد اغتيال الفرص، إن كانت لا تزال متاحة..!! وهذا أمر ندفع ثمنه باهضًا..!!
ـ3ـ
فساد النواب، في أكثر من بلد تحدثوا عن هذا النوع من الفساد، وفي بلادنا جرت أحاديث عن فساد نواب، فبالإضافة الى ما سلف ذكره، هناك انواع اخرى من الفساد، هناك الفساد المتمثل في النائب الذي قدم نفسه لناخبيه على انه مستقل وعند دخوله البرلمان وجدناه تابعًا لتيار سياسي او جمعية دينية، وهناك نواب شكلوا لجان تحقيق للنظر في تجاوزات فجة اختفت فجأة كلجنة التحقيق في تجاوزات مستشفى الملك حمد في الفصل التشريعي السابق، ولازال المرء يتذكر تصريح رئيس هذه اللجنة وهو يعلن ان التجاوزات في هذا الملف فاق التوقعات..! يمكن ان نشير كذلك الى ما نشر من ان نوابًا استغلوا مقاعدهم النيابية ونفوذهم بتغيير تصنيف منطقة سكنية الى تجارية، ونوابًا يتغيبون عن الجلسات من أجل تعطيلها، ونوابًا يجتمعون مع وزراء ومسؤولين من أجل تكسب، او خدمة خاصة، او منفعة للمحاسيب، او واسطة يخرقون بها كل الضوابط والأولويات وحقوق الغير، ويظهرون في صورة انهم بحثوا الامور التي تهم الناخبين، وأحيانًا يذهبون الى أبعد من ذلك حين يقال بأنهم بحثوا الامور التي تهم الشعب، ونسوا او تناسوا ان هذه الامور تناقش تحت قبة البرلمان وليس من ورائها، وفي المكاتب المغلقة، ووجدنا نوابًا يتحركون بالرموت كونترول يتلقون التعليمات ليفتحوا ملفات ويغلقوا ملفات، او يميعوا ملفات.. او «ذبح» مشاريع استجواب، او... او... من المؤسف حقًا ان تمر تلك الأمور، وأسوأ منها، وكأنها شيء عادي، لا يترتب عليه استنفار على اي مستوى ولا يسبب اي دهشة، ولا يستدعي ما يصحح المعوج ويبيض الوجه..!!