«الداخلية»... خطوة في الاتجاه الصحيح
هاني الفردان
حسناً فعلت وزارة الداخلية عندما أعلنت يوم الأحد (5 يونيو/ حزيران 2016)، عن أنها «اتخذت الإجراءات القانونية تجاه نشر صور على وسائل التواصل الاجتماعي تتعلق بواقعة إحباط محاولة هروب مطلوبين ومحكومين إلى إيران».
هذه القضية ليست جديدة، بل تكررت كثيراً وتحدثنا عنها كثيراً، وطالبنا كثيراً من قبل تفعيل الأدوات القانونية اتجاه من يقومون بنشر صور متمهين أو مطلوبين لحظة القبض عليهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي دون أيِّ سند قانوني.
مَن نشروا تلك الصور، بالتأكيد ليسوا أُناساً عاديين، بل هم أفراد في الأجهزة الأمنية كانوا يمارسون دورهم الوظيفي، وهم معنيّون بالمحافظة على سرّية كُلِّ المعلومات الموجودة لديهم.
القضية برمّتها ليست جديدة بل تكررت من قبل، فقد أحدث اعتقال الشاب المحكوم حالياً رضا الغسرة، بمنطقة بني جمرة، في 23 مايو/ أيار 2013 وهو أحد الهاربين من التوقيف بتاريخ 8 مايو 2012، ضجة كبيرة في الشارع البحريني، لفظاعة الصورة التي سُرِّبَت أو نُشرَت وهو ملقى على الأرض ومُكبَّل اليدين من الخلف، والدماء تسيل من فمه.
لا نستغرب ولا نلوم مواطناً التقط هذه الصورة من بعيد، أو صوّرها بكاميرته الشخصية، أو تسلّل بعدسته المخفيّة، وجاء بها، ولكن اللوم كُلّ اللوم أن تخرج هذه الصورة من قبل أفراد يعملون في الأجهزة الأمنية، ويتفاخرون بنشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
صورة التُقطت لحظة التوقيف، وفيها تظهر أحذية وظلال لأفراد قريبين من الشاب، وبالتأكيد فهذه الأحذية والظلال لأفراد ينتمون للأجهزة الأمنية، وليس لأهالي القرية مثلاً، إذ إن الشاب يُعَدُّ «غنيمة أمنية» مطلوبة منذ عام تقريباً.
تزامناً مع تلك الصورة لرضا الغسرة، نُشرَت صورة أخرى لسلاح ناري يُعرَض على عدسة الكاميرا، وسبق بذلك حتى التصريح الرسمي لوزارة الداخلية على لسان مدير عام الإدارة العامة للمباحث والأدلة الجنائية وبساعات طويلة، إذ انتشرت صورة السلاح الذي قيل إنه ضُبط في حوزة الشاب الغسرة، قبل أن تعلن عن ذلك وزارة الداخلية وتعمِّم صورة السلاح.
الحركة ذاتها تكررت أيضاً لحظة إحباط محاولة هروب مطلوبين ومحكومين الأحد الماضي، وتمّ تصوير أولائك المطلوبين لحظة أعتقالهم ونشر الصور في مواقع التواصل الاجتماعي!
نعم كان السؤال واضحاً منذ العام 2013 وحتى يوم الأحد الماضي، للقائمين والمسئولين بوزارة الداخلية: هل يجوز للعاملين في المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية، نشر أدلة جنائية، وصور للمتهمين والمعتقلين والمطلوبين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو بأي طريقة من طرق العلانية؟ ألا يُعَدُّ ما حدث من نشر الصور، إهانة لكرامة الإنسان حتى وإن كان مطلوباً أمنيّاً؟
قد يذهب البعض للقول، بأنّ الناس تنشر صوراً كثيرة الشبه بهذه الصورة، ولمواقف قريبة، وتحظى بتأييد وقبول الشارع، ولكن الأمر مختلف لأنّ أولئك أناس عاديون، ليسوا مُلزَمين بما يُلزَم به أفراد الأمن المنوط بهم تطبيق القانون باسم الدولة وحفظ كرامة الإنسان لحظة اعتقاله.
إنّ القرار رقم (14) لسنة 2012 بشأن إصدار مدوّنة سلوك رجال الشرطة نَصَّ بوضوح على أن «رجال الشرطة هم في الحقيقة يمثلون الدولة وأداتها الفاعلة في ممارسة حقها لتحقيق الاستقرار للصالح العام، بما يضفي على عملهم نوعاً من القداسة والمهابة نظراً لما يُسنَد إليهم من صلاحيات مهمة وخطيرة تتصل بالإنسان وقد تنال من حُرّيته في أحيان كثيرة بالقانون وباسم الدولة».
ما قام به أفراد الأمن من نشر صور لمطلوبين لحظة اعتقالهم مخالفة قانونية، ولا يأتي ضمن «القداسة والمهابة» أو أن ذلك ضمن «الصلاحيات المهمة والخطيرة التي أوكلت لهم باسم القانون والدولة».
ترى مُدوّنة السلوك أيضاً أن «الهدف الأساسي لهذه المدوّنة هو إحداث ثقة متبادلة بين رجال الشرطة والمجتمع»، فعن أيّة ثقة يمكن الحديث، عندما تنتهك بممارسة أدوار، ونشر صور لمواطنين، سواءً كانوا متهمين أو مدانين أو حتى مطلوبين، بالطريقة التي شهدناها مؤخراً؟
تلزم المُدوّنة في باب واجبات رجال الشرطة بحماية صحة الأشخاص المحتجزين في عهدتهم، كما تلزمهم بأن يحترموا في أداء واجباتهم الحقوقية والدستورية والقانونية معايير حقوق الإنسان في التعامل مع الشهود والمتهمين والمشتبه بتورطهم في ارتكاب جرائم.
وتفرض المُدوّنة على رجال الشرطة الحفاظ على سرّية ما في حوزتهم من أمور ذات طبيعة سرّية ما لم يقتضِ خلاف ذلك الاقتضاء أداء الواجب أو متطلبات العدالة، وتحظر على رجل الشرطة استغلال ما لديه من معلومات بسبب العمل في تحقيق مصالح أو مكاسب شخصية، ونشر أية وثائق أو معلومات تتصل بالعمل بهدف الربح أو تحقيق مصالح شخصية أو الاحتفاظ بأيّة أوراق رسمية مما يقع تحت يديه.
هذه باختصار نصوص وبنود مُدوّنة سلوك الشرطة التي يجب على رجال الشرطة الالتزام بما جاء بها، على اعتبارها مرشداً وهادياً لهم في أداء واجباتهم، وبمثابة عقد اجتماعي بينهم وبين المجتمع البحريني، وخطوة على الطريق نحو مستقبل أفضل في ظل الاحترام والثقة المتبادلة بين المجتمع والشرطة.
«أنْ تصل متأخراً خيراً من أنْ لا تصل»، وبالتالي فإنّ الإجراءات القانونية الأخيرة التي أعلنت وزارة الداخلية اتخاذها ضد مَنْ نشر صور مطلوبين لحظة القبض عليهم بادرة جيدة تستحق الشكر عليها، وخطوة في الاتجاه الصحيح، ومحاسبة منتسبي الأمن الذين لا يحترمون سرّية المعلومات، والخصوصيات التي تقع بين أيديهم، تلك الخطوة كنا نطالب بها منذ مايو 2013، ونتمنى أن لا نشهدها تتكرر بعد الآن.
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 5023 - الأربعاء 08 يونيو 2016م
هاني الفردان
حسناً فعلت وزارة الداخلية عندما أعلنت يوم الأحد (5 يونيو/ حزيران 2016)، عن أنها «اتخذت الإجراءات القانونية تجاه نشر صور على وسائل التواصل الاجتماعي تتعلق بواقعة إحباط محاولة هروب مطلوبين ومحكومين إلى إيران».
هذه القضية ليست جديدة، بل تكررت كثيراً وتحدثنا عنها كثيراً، وطالبنا كثيراً من قبل تفعيل الأدوات القانونية اتجاه من يقومون بنشر صور متمهين أو مطلوبين لحظة القبض عليهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي دون أيِّ سند قانوني.
مَن نشروا تلك الصور، بالتأكيد ليسوا أُناساً عاديين، بل هم أفراد في الأجهزة الأمنية كانوا يمارسون دورهم الوظيفي، وهم معنيّون بالمحافظة على سرّية كُلِّ المعلومات الموجودة لديهم.
القضية برمّتها ليست جديدة بل تكررت من قبل، فقد أحدث اعتقال الشاب المحكوم حالياً رضا الغسرة، بمنطقة بني جمرة، في 23 مايو/ أيار 2013 وهو أحد الهاربين من التوقيف بتاريخ 8 مايو 2012، ضجة كبيرة في الشارع البحريني، لفظاعة الصورة التي سُرِّبَت أو نُشرَت وهو ملقى على الأرض ومُكبَّل اليدين من الخلف، والدماء تسيل من فمه.
لا نستغرب ولا نلوم مواطناً التقط هذه الصورة من بعيد، أو صوّرها بكاميرته الشخصية، أو تسلّل بعدسته المخفيّة، وجاء بها، ولكن اللوم كُلّ اللوم أن تخرج هذه الصورة من قبل أفراد يعملون في الأجهزة الأمنية، ويتفاخرون بنشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
صورة التُقطت لحظة التوقيف، وفيها تظهر أحذية وظلال لأفراد قريبين من الشاب، وبالتأكيد فهذه الأحذية والظلال لأفراد ينتمون للأجهزة الأمنية، وليس لأهالي القرية مثلاً، إذ إن الشاب يُعَدُّ «غنيمة أمنية» مطلوبة منذ عام تقريباً.
تزامناً مع تلك الصورة لرضا الغسرة، نُشرَت صورة أخرى لسلاح ناري يُعرَض على عدسة الكاميرا، وسبق بذلك حتى التصريح الرسمي لوزارة الداخلية على لسان مدير عام الإدارة العامة للمباحث والأدلة الجنائية وبساعات طويلة، إذ انتشرت صورة السلاح الذي قيل إنه ضُبط في حوزة الشاب الغسرة، قبل أن تعلن عن ذلك وزارة الداخلية وتعمِّم صورة السلاح.
الحركة ذاتها تكررت أيضاً لحظة إحباط محاولة هروب مطلوبين ومحكومين الأحد الماضي، وتمّ تصوير أولائك المطلوبين لحظة أعتقالهم ونشر الصور في مواقع التواصل الاجتماعي!
نعم كان السؤال واضحاً منذ العام 2013 وحتى يوم الأحد الماضي، للقائمين والمسئولين بوزارة الداخلية: هل يجوز للعاملين في المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية، نشر أدلة جنائية، وصور للمتهمين والمعتقلين والمطلوبين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو بأي طريقة من طرق العلانية؟ ألا يُعَدُّ ما حدث من نشر الصور، إهانة لكرامة الإنسان حتى وإن كان مطلوباً أمنيّاً؟
قد يذهب البعض للقول، بأنّ الناس تنشر صوراً كثيرة الشبه بهذه الصورة، ولمواقف قريبة، وتحظى بتأييد وقبول الشارع، ولكن الأمر مختلف لأنّ أولئك أناس عاديون، ليسوا مُلزَمين بما يُلزَم به أفراد الأمن المنوط بهم تطبيق القانون باسم الدولة وحفظ كرامة الإنسان لحظة اعتقاله.
إنّ القرار رقم (14) لسنة 2012 بشأن إصدار مدوّنة سلوك رجال الشرطة نَصَّ بوضوح على أن «رجال الشرطة هم في الحقيقة يمثلون الدولة وأداتها الفاعلة في ممارسة حقها لتحقيق الاستقرار للصالح العام، بما يضفي على عملهم نوعاً من القداسة والمهابة نظراً لما يُسنَد إليهم من صلاحيات مهمة وخطيرة تتصل بالإنسان وقد تنال من حُرّيته في أحيان كثيرة بالقانون وباسم الدولة».
ما قام به أفراد الأمن من نشر صور لمطلوبين لحظة اعتقالهم مخالفة قانونية، ولا يأتي ضمن «القداسة والمهابة» أو أن ذلك ضمن «الصلاحيات المهمة والخطيرة التي أوكلت لهم باسم القانون والدولة».
ترى مُدوّنة السلوك أيضاً أن «الهدف الأساسي لهذه المدوّنة هو إحداث ثقة متبادلة بين رجال الشرطة والمجتمع»، فعن أيّة ثقة يمكن الحديث، عندما تنتهك بممارسة أدوار، ونشر صور لمواطنين، سواءً كانوا متهمين أو مدانين أو حتى مطلوبين، بالطريقة التي شهدناها مؤخراً؟
تلزم المُدوّنة في باب واجبات رجال الشرطة بحماية صحة الأشخاص المحتجزين في عهدتهم، كما تلزمهم بأن يحترموا في أداء واجباتهم الحقوقية والدستورية والقانونية معايير حقوق الإنسان في التعامل مع الشهود والمتهمين والمشتبه بتورطهم في ارتكاب جرائم.
وتفرض المُدوّنة على رجال الشرطة الحفاظ على سرّية ما في حوزتهم من أمور ذات طبيعة سرّية ما لم يقتضِ خلاف ذلك الاقتضاء أداء الواجب أو متطلبات العدالة، وتحظر على رجل الشرطة استغلال ما لديه من معلومات بسبب العمل في تحقيق مصالح أو مكاسب شخصية، ونشر أية وثائق أو معلومات تتصل بالعمل بهدف الربح أو تحقيق مصالح شخصية أو الاحتفاظ بأيّة أوراق رسمية مما يقع تحت يديه.
هذه باختصار نصوص وبنود مُدوّنة سلوك الشرطة التي يجب على رجال الشرطة الالتزام بما جاء بها، على اعتبارها مرشداً وهادياً لهم في أداء واجباتهم، وبمثابة عقد اجتماعي بينهم وبين المجتمع البحريني، وخطوة على الطريق نحو مستقبل أفضل في ظل الاحترام والثقة المتبادلة بين المجتمع والشرطة.
«أنْ تصل متأخراً خيراً من أنْ لا تصل»، وبالتالي فإنّ الإجراءات القانونية الأخيرة التي أعلنت وزارة الداخلية اتخاذها ضد مَنْ نشر صور مطلوبين لحظة القبض عليهم بادرة جيدة تستحق الشكر عليها، وخطوة في الاتجاه الصحيح، ومحاسبة منتسبي الأمن الذين لا يحترمون سرّية المعلومات، والخصوصيات التي تقع بين أيديهم، تلك الخطوة كنا نطالب بها منذ مايو 2013، ونتمنى أن لا نشهدها تتكرر بعد الآن.
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 5023 - الأربعاء 08 يونيو 2016م